لا يُخفي الناطق الرسمي باسم الحكومة سعادته بمخرجات الزيارة الأخيرة الى مصر وكذلك الناطق باسم الرئاسة المصرية , ومن راقب كلمة الفريق السيسي لاحظ ترحيبه الخاص برئيس الوزراء د. عبد الله النسور دون باقي الوفود المشاركة في احتفالية حرب اكتوبر , وكل ذلك يشي بأن صفحة جديدة في العلاقة مع الشقيقة الكبرى قد بدأت تتسطر صفحاتها بشكل لم تألفه العلاقة المصرية – الأردنية لا في زمن السادات او مبارك .
مصر ليست دولة عابرة في فضاء الأمة العربية ولم تكتسب لقب الشقيقة الكبرى ترفا , بل هي مصدر إلهام للشعوب والحكومات وطغيان لهجتها على باقي لهجات الأمة العربية يؤكد ذلك , فأنت لا تملك في مصر الا ان تستجيب للهجتها العذبة وروح شعبها العظيم ودعابته الرشيقة , والوجع الناجم عن تراجع الحالة الأمنية في مصر ليس مرده فقط الحرص على الشقيقة مصر وشعبها بل هو حرص على ذاكرة عروبية شكلتها مصر في عقل العرب الجمعي .
التقارب الاردني المصري تجلّى بعد زيارة الملك الى مصر عقب ثورتها الثانية وحسم الأردن شعبا وملكا وحكومة موقفه من الثورة المصرية الثانية بالوقوف الى جانبها بوصفها الخيار الشعبي المصري ولا تحتاج السياسة الخارجية الاردنية الى شهادة حُسن سلوك من أحد على احترامها لإرادة الشعوب العربية عبر تاريخها الطويل , فالموقف الأردني الواضح من مخرجات الثورة المصرية الثانية هو امتداد للموقف الاردني الرافض للتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة شقيقة واحترام ارادة شعبها وهو ما رأيناه في الموقف من القضية السورية والليبية والتونسية ولاحقا في احترام الخطوة القطرية .
اشارات التقارب مع مصر تلاقي ترحيبا داخليا من معظم المكونات الشعبية والسياسية ولا يؤخرها موقف حزب بعينه يرى في التقارب مناكفة او نكاية , فالدولة الاردنية معنية بموقفها من الدولة المصرية وليس من بعض مكوناتها السياسية , فمهما بلغ حجم الحزب سيبقى اصغر من الدولة اية دولة فما حاله في مصر الكبرى , التي تشكل حامية وحاضنة لكل مشاريع الأمة الكبرى وكل محاولة لتقليل دور مصر او حرفه عن عمقه العربي هو خسارة لكل الاقطار وليس لمصر .
ما يربطنا بمصر اكثر من انبوب نفط او تشاطؤ في البحر الاحمر , فثمة علاقات وترابطات قومية تفوق كل نفط العالم , تبدأ من الحرص على امن سيناء وحدود الجغرافيا الفلسطينية في غزة والضفة ولا تنتهي عند تنسيق المواقف واحتضان المصالحة الفلسطينية والسعي لتدعيم ترابط الدولة الفلسطينية وحماية القدس فكل جهد دون مصر منقوص او غير قابل للديمومة والاستمرارية بفعالية وقوة, وما يحدث في مصر الآن من ارهاب وعبث وتخريب زائل وستعود مصر اكثر قوة ومكانة ومتانة , فالحرص المصري على الأمن حرص مُقدّر ويجب دعمه بكل السبل والوسائل .
السياسة الاردنية حيال مصر تعني اننا نسير في اتجاه تدعيم الورقة القومية وتدعيم الموقف الأردني حيال قضايا قومية تحتاج الى حصافة العقل السياسي الاردني وقوة ومكانة مصر , وهي سند لكل جهد اردني للحيلولة دون التمدد الاسرائيلي في المنطقة , بعد أن استثمرت اسرائيل في الحالة الأمنية والسياسية العربية المُتفتقة بعد الربيع العربي , ودخلت الى باطن المسجد الاقصى بعد ان نفذت الى قلب السودان والقرن الافريقي , ولا تمتلك دولة وقف هذا الاستثمار الا مصر اسيويا وافريقيا .
تفاؤل الحكومة الاردنية كما عبر عنه الناطق باسمها خلال زيارته لدار “الدستور” امس , ليس تفاؤلا عاطفيا بقدر ما هو تفاؤل علمي يستند الى وقائع على الارض وهذا هو المطلوب اردنيا ومصريا .
(الدستور)