يتجاور قبران سقط صاحباهما برصاص خرج من ذات السلاح : قبر لجندي أردني يحمل شعار الجيش العربي وآخر لشاب فلسطيني قضى شهيدا ذات انتفاضة ، والمكان محافظة جنين وفي بلدة اليامون الفلسطينية التي احتفلت بلديتها بالاشتراك مع بلدية جنين أمس بترميم مقبرة شهداء الجيش العربي وتشييد الصرح التذكاري.في تجاور الشهداء نبوءة يشف عنها ما يؤكد ديمومة التصاق المصائر لدى الأحياء فحين يسقط شهيد أردني على تراب فلسطيني ويجاور في سكناه الأخير شهيدا آخر فلسطينياً فمعنى ذلك أن كل أبناء الأردن وفلسطين يتجاورون في المصير.
وحين تتحول المدافن التي تحتضن رفاة شقيقين فلسطيني وأردني في قبر واحد فان من قيض له الحياة من أبناء الشعبين لا يملك خيار الانفصال في المصير المرسوم بدم الشهيد.
هذه هي رسالة الشهادة وهذه هي رسالة الشهيد.
المقبرة تضم رفات ثمانية شهداء من الجيش العربي هم سرية المدفعية السادسة الذين سقطوا في معركة الدفاع عن فلسطين في حرب عام1967، شهيد يجاور شهيداً لم يفصل بين رفاتهما نهر ولا أقيمت بينهما جدران، ففي الشهادة تضيق المسافة بين الدم والدم حتى يختلطا في نجيع زكي واحد، ومثل هذا النجيع أكثر رفعة وانصع طهرا من أن يفرق بين الشقيق و الشقيق.
احتفال بلديتي جنين واليامون في الضفة الغربية، بترميم مقبرة شهداء الجيش العربي، يحمل من الدلالات ما يرتقي عن المفردات المعلبة والجمل المفصلة لمناسبات بروتوكولية، تلك الدلالات عبر عنها أهالي تلك البلد الذين ارتقوا في موكب مهيب إلى حيث يتجاور الشهداء لترميم مثوى هؤلاء وإشادة نصب تذكاري لهم مستذكرين وقفة الشقيق الأردني التي تتواصل إلى اليوم دعما ومؤازرة وحثا على الصمود وفي المقدمة كان دائما سيد هاشمي يصل ليله بنهاره ذودا عن حق كعين الشمس لا تغطيه الغيوم مهما تراكمت.
نستمع من هنا من عمان لما قاله محافظ جنين قدورة موسى حين كان يتحدث أمس بلغة كل أهلنا هناك بقوله إن هذا الاحتفال يعمق الروابط بين الشعبين الشقيقين مؤكدا أن هؤلاء الشهداء الأبطال ضحوا بدمائهم الزكية من أجل فلسطين.
نسمعه وهو يذكر المحتفلين بدلالة احتفالهم التي تفيض عرفانا للدم الزكي مؤكدا أن الحفل ما هو إلا تعبير عرفان بحقهم - أي الشهداء- علينا نحن الأحياء عبر ترميم هذا المثوى وتشييد هذا الصرح.
نكاد نسمع من هنا من عمان آيات سورة الفاتحة وهي تتلى على شفاه أهل فلسطين الذين أضحوا كلهم برسم الشهادة.
إكرام الشهداء كرامة للأحياء فشكرا للشهيد الذي عمد بدمه وحدة للمصير لن تقوى كل قوى الانعزال على فصم عراها.
samizobaidi@gmail.com