نقاش حول طبيعة قرار التأديب الصادر عن مجلس النواب
د.عادل الحياري
08-10-2013 02:56 AM
قد يتساءل البعض من غير المختصين عن القصد من وراء تحديد طبيعة القرارات التأديبية التي تصدر بحق أحد أعضاء البرلمان، من قبل أحد مجلسي البرلمان، ويقول ما الفائدة التي تنتج عن تحديد طبيعة قرار التأديب؟
وللجواب على ذلك، نوضِّح بأن معرفة طبيعة قرار التأديب، ووضعه في أحد المصنَّفات التي سنأتي على ذكرها، سيؤدي إلى نتيجة هامة، وهي معرفة ما إذا كان قرار التأديب يمكن الطعن به أمام إحدى الجهات، أم أنه من قبيل الأعمال التي لا يمكن الطعن بها أمام أية جهة، ويُصبح بمجرد صدوره عن المجلس قراراً نهائياً.
وبافتراض أنه يدخل في دائرة الأعمال التي يمكن الطعن بها، يقوم التساؤل حول الجهة التي لها الصلاحية بنظر الطعن، والذي يمكن أن يقدَّم من قبل العضو الذي تمَّ توقيع الجزاء عليه.
وبمعنى أوضح، سبق أن قلنا في مقالة سابقة، أن العقوبة التأديبية التي أوقعها مجلس النواب بحق النائب الدميسي، كانت -في تقديرنا- مخالفة للقانون. وهنا تبرز الحاجة، للبحث عن الجهة التي يمكن لهذا النائب أن يتظلَّم إليها، لإزالة ما وقع عليه من حّيْف، إذا ما رأت تلك الجهة صواب ما نقول.
وبالمناسبة نحن لسنا وكلاء عن النائب الدميسي، ولكننا وكلاء للحق، ندافع عنه في كل مكان وزمان.
أولاً: قرار التأديب ليس من قبيل التشريع:
مجلس النواب هو جزء من السلطة التشريعية المكوَّنة من مجلسي البرلمان والملك. وهي التي لها الصلاحية بوضع القواعد القانونية المجردة، التي تطبَّق على جميع الأفراد، أو على بعضهم، ليس بصورة شخصية، ولكن لتمتعهم ببعض الخصائص.
والقرار التأديبي الصادر عن مجلس النواب لا يتَّصف بالقواعد التشريعية الموصوفة آنفاً، لأنه صدر عن جزء من الجسم التشريعي وليس كله، ولأنه قرار صدر ليطبَّق على فرد محدد بصورة شخصية.
وعليه، فإن قرار التأديب الذي يصدر عن مجلس النواب، لا يخرج في تعريفه عن تعريف القرار الإداري. إذ يتحد معه في أركانه، ولا يختلف عنه إلا اختلافاً نسبياً، من ناحية الهدف. فأهداف القرار الإداري أوسع من هدف قرار التأديب الذي ينحصر في توقيع الجزاء على الموظف المخالف لمهام وظيفته، بقصد الردع والإصلاح.
وإزاء الوصول إلى هذه النتيجة، بأن قرار التأديب، لا يختلف عن القرارات الإدارية، تقوم إمكانية واحتمالية وجود جهة يمكنها النظر بالطعن الذي يمكن أن يقدَّم ممَّن وقع عليه الجزاء.
ثانياً: قرار التأديب ليس من قبيل القرارات القضائية:
في هذا الشأن لم تحدد القوانين، وكذلك القضاء، طبيعة قرارات التأديب التي تصدر عن مجالس التأديب، من حيث أنها قرارات قضائية، تنتمي إلى عائلة الأحكام القضائية، أم أنها من قبيل القرارات الإدارية البحتة.
فالقول أن قرار التأديب هو قرار إداري بحت، يؤدي إلى جواز الطعن فيه بأحد أسباب الطعن المعروفة؛ كعدم الاختصاص، وعيب الشكل، ومخالفة القوانين والأنظمة، أو الخطأ في تطبيقها، أو إساءة استعمال السلطة. كذلك يستقر الأمر إلى أن القضاء الإداري هو وحده المختص بنظر الطعن الذي يمكن أن يقدم من قبل من وقعت عليه العقوبة التأديبية.
أما القول بأن القرار التأديبي يعتبر من قبيل الأحكام القضائية، فإن الطعن فيه لا يجوز إلا إذا كان الحكم المطعون فيه مخالفاً للقانون، أو الخطأ في تطبيقه، أو إذا وقع بطلان في الحكم أو الإجراءات التي أدَّت إلى الحكم. يضاف إلى ذلك، أن المحكمة التي تنظر في الطعن، هي ليست المحكمة الإدارية، باعتبار أن القرار التأديبي، ليس قراراً إدارياً، وإنما حكماً قضائياً.
أمام هذا الوضع تولى الفقه الإداري الإجابة على ذلك، وظهر اتجاهان: الأول يقول إن قرارات التأديب لها طبيعة قضائية، وأن مجالس التأديب، عبارة عن هيئات إدارية تتمتع بسلطات قضائية. أما الاتجاه الثاني، فيرى أن القرارات التأديبية ليست لها الصفة القضائية، وهي لا تعدو أن تكون قرارات إدارية، لأنها تصدر عن جهة لا تتمتع بالاستقلال، كما هو شأن القضاء.
وفي تقديرنا أن القرار التأديبي، لا يعتبر من قبيل الأحكام القضائية، لأنه لا يصدر عن محكمة تتمتع بالحيدة والاستقلال، بل هو يصدر عن جهة إدارية قد لا يكون أحد أعضائها يحمل إجازة في القانون.
وقرار التأديب الذي صدر عن مجلس النواب بحق النائب الدميسي، لا يعتبر -من باب أولى- حكماً قضائياً، لأنه صدر عن مجلس، كان عدد الأعضاء المصوِّتين بتوقيع العقوبة 134 عضواً آنذاك.
وعليه إذا كان قرار التأديب من قبيل القرارات الإدارية، وليس من قبيل الأحكام القضائية، فيستدعي القول أن إمكانية واحتمالية الطعن بقرار التأديب، ما زال ممكناً لدى القضاء الإداري، صاحب الاختصاص بالنظر في الطعون التي تقام في مواجهة القرارات الإدارية.
وللنقاش تتمة..
(الرأي)