بالرغم من أن الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي التي استمرت 45 عاماً قد وضعت أوزارها منذ ربع قرن، إلا أنه ما زال هناك شعور مشترك بأن روسيا هي الاتحاد السوفييتي، وأنها تتطلع للعب الدور الذي كان الاتحاد السوفييتي ينهض به كلاعب أساسي في الشؤون الدولية، يقتسم النفوذ مع أميركا بشكل مناصفة أو بشيء قريب منه.
الأزمة الأميركية السورية أعطت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة تسجيل نقاط لصالحه شخصياً ولصالح روسيا، فقد قـدّم بلاده خلال الأزمة بوصفها ندأً لأميركا، وهذا هو المكسب الأول.
من ناحية أخرى فقد انقذ بوتين أوباما في الوقت المناسب من الإهانة التي كانت ستلحق به لو رفض الكونجرس - كما كان متوقعاً-تفويضه بالضربة الانتقامية لسوريا عقاباً على استعمال السلاح الكيماوي، وبالتالي فإن الرئيس الأميركي أصبح مديناً لبوتين.
بوتين قـدّم روسيا إلى العالم على أنها القوة التي تستطيع أن توازن القوة الأميركية، فلم تعد أميركا القطب الأوحد المهيمن على عالم اليوم، ولن تستطيع بعد اليوم أن تتجاهل روسيا.
بوتين سجل نقطة إضافية لصالحه عندما نشر مقالة في صحيفة نيويورك تايمز، حيث وضع نفسه في حالة وفاق مع الرأي العام الاميركي المعارض للحرب، كما أنه استخدم الصحيفة الأميركية لتلقين أوباما درساً في مجال احترام القانون الدولي، وكان أقرب للتوبيخ.
هذا الانجاز السياسي والاستراتيجي الذي سجله بوتين لم ينفعه في الساحة الدولية فقط، بل نفعه في داخل روسيا أيضاً فقد عزز مركزه كقائد فعال لروسيا وندأً لأوباما.
نجاح روسيا في إثبات موجوديتها ليس مصلحة روسية وطنية فقط بل مصلحة عالمية أيضاً، فمن الافضل للإنسانية أن تكون في الساحة الدولية قوى متعددة بحيث لا تستطيع إحداها أن تتعسف وتتصرف كما تشاء على حساب الشعوب المستضعفة.
وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى أن روسيا استطاعت أن تعطل مجلس الأمن الدولي وتمنعه من اتخاذ قرارات بشأن الأزمة السورية ما لم تكن منسجمة مع الموقف الروسي فلا تهدد بالقوة ولا تصدر تحت الفصل السابع.
أميركا مضطرة بعد اليوم للتنسيق مع روسيا في الشوؤن الدولية، وعلى الأخص فيما يتعلق بالشرق الأوسط وقضاياه.
(الرأي)