إقرار قانون جديد للضريبة، هو أحد متطلبات صندوق النقد الدولي المستعجلة. لذلك، عكف مجلس الوزراء على مناقشته على مدى جلستين لإقراره، ليكون مشروع القانون بيد الوفد المتجه إلى واشنطن يوم غد للمشاركة في الاجتماعات السنوية للصندوق، دلالة على سير الحكومة في تنفيذ الاتفاق مع المؤسسة الدولية.
لقانون الضريبة أهمية خاصة أيضا كونه مطلب القوى الإصلاحية الأردنية التي تنشد قانونا عادلاً لضريبة الدخل، يؤدي دور اللاعب الأساسي في إعادة توزيع مكتسبات التنمية والثروات.
المطالب المحلية انصبت على انسجام التشريع الجديد للضريبة مع الدستور، بما يكفل التصاعدية في فرض النسب، على اعتبار أن جزءا من القانون النافذ حاليا مخالف للدستور بهذه الجزئية، خصوصا ما هو مفروض على القطاعات الاقتصادية.
الرأي الرسمي اليوم يؤمن بإمكانية تطبيق "التصاعدية" على الأفراد، لكنه يتحفظ على تطبيقها على القطاعات، اعتمادا على تجارب الدول الأخرى.
مشروع القانون الموجود اليوم بين يدي الحكومة هو الثالث خلال أقل من عام، والتردد يبدو واضحا في إقراره لأكثر من اعتبار، أهمها: المخاوف من تشويه القانون بعد تسليمه لمجلس النواب لإقراره وفق المراحل الدستورية. فيما يتمثل الاعتبار الثاني في الخشية من أن لا يحظى بالرضا الشعبي، فيفشل في تغيير قناعة رأي عام يؤمن أن أكثر صفة تلازم حكومة د. عبدالله النسور هي الجباية، وهي فكرة تؤرق الحكومة بعد كل قرارات رفع الأسعار.
البنود الخلافية في القانون متعددة، أبرزها فرض ضريبة دخل على الأرباح الرأسمالية المتأتية من تجارة الأسهم والأراضي، وهي خطوة طالما كانت صعبة، لتأثيرها المباشر على مؤشر البورصة.
لكن ضمن منطق ضريبة الدخل والهدف منها، فإن العدل يقتضي فرض هذا النوع من الضرائب. إذ طالما أن الفرد يحقق دخلا وأرباحا من هذا النشاط الاقتصادي، فلماذا يظل مستثنى من تسديد الضريبة؟
الرأي السابق سيلقى كثيرا من ردود الفعل السلبية، كون القائمين على هذه القطاعات يرفضون ذلك، وطالما صعّدوا ضده، ولم يسددوا للخزينة فلسا واحدا؛ فيما أصحاب المداخيل المحدودة يدفعون كل ما يترتب عليهم.
الإعفاءات للأفراد والقطاعات، مسألة مركزية في هذا القانون.
هنا، ثمة آثار سلبية كبيرة لتلك التي تتعلق بالأفراد. إذ تذهب الحكومة باتجاه تخفيض الإعفاء الممنوح لهم وللأسرة؛ من 12 ألفاً للفرد و24 ألفاً للأسرة، ليبلغ 9 آلاف و18 ألفا للفرد والأسرة على التوالي، بنسب ضريبة متدرجة على المبالغ التي تزيد على الإعفاء الممنوح. وفي ذلك أخذ بروح الدستور، ومحاولة للحد من التهرب الضريبي.
تخفيض الإعفاء للإفراد، على خلاف ما ترغب فيه الحكومة سيُلصق بها صفة الجباية، كونها توجه ضربة جديدة للطبقات المتوسطة، وحتى العليا من أصحاب المداخيل الثابتة المرتفعة.
في مقابل ذلك، لا تحقق هذه الخطوة إيرادا يعتبر ثمنا مناسبا لتهميش الطبقة الوسطى أو ما تبقى منها، إلا إذا كان الهم الأول والأخير إرضاء "الصندوق" والدول المانحة.
قطاعيا، ينصب التفكير على فرض نسبة واحدة من الضريبة، مع عدم الأخذ بمبدأ التصاعدية، إلى جانب منح إعفاء لبعض القطاعات وليس كلها، وهي تحديداً الزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات.
أهمية قانون الضريبة تنبع من دوره في دعم نشاطات استراتيجية للبلد، مع تأثير ذلك، إن استخدم بشكل صحيح، في التخفيف من مشاكل البلد المستعصية، مثل البطالة، بربط الإعفاء مثلا بتشغيل الأردنيين؛ إذ ما النفع الاجتماعي لأي قطاع اقتصادي إن لم يساهم في حل مشكلة البطالة؟
ما من شك أن الهدف الرئيس للحكومات يتمثل في زيادة الإيرادات. لكن دورها يفرض عليها وضع قانون ضريبة يقلص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، ويرتبها وفق سلم صحي وسليم بعد أن تخلخلت، ما يساهم في إعادة بناء الطبقة الوسطى التي دمرتها سنوات من الأزمات الاقتصادية المتتالية.
(الغد)