في صناعة "الانتماء" .. الأنحناء أهم من الأداء!
د. وليد خالد ابو دلبوح
08-10-2013 02:35 AM
"اذا خرجت الأحزان ... أتتك جماعات" ... وليم شكسبير!
طموح يحترق ... طاقات تُشتت ... وكفاءات تزهق ... وفساد ينتصر... هذا ما حُفر على جبين صديقنا في الأمس القريب ... طير أردني مهاجر اخر ينتظر ... وجرح سوسني زكي قادم يعاتب ... ضمير حائر جالس أمامي ... وخيبة أمل أصابته في مقتبل شبابه وفي مقتل أحلامه ... حيث أشتعل الرأس منه مقتا وشيبا... يقلب الكف فوق الكف ... يرثي حاله وهو في أوج عنفوانه ... وكأنه يكتب وصيته على المدبح ... يُحدّث السماء بنظراته أكثر مما حدثني بلسانه ... يستقبل نجمة هنا ويودع أخرى هناك ... والقمر يتجمل خير شاهد ... اراه أمامي يتدرب على فنون كظم الغيظ ... واداب صبر جميل وبالله المستعان ... كاد أن يتقنها ... حتى أثقلت همومه ميزان كبرياءه ...فاستلم وسقط ... وانحنى لسانه أمام مقلة عيني ... وتنهد قليلا ... وأطلقها بعد صمت جميل ... ليقول "لا شيء يقوى على وجع الظلم يا صديقي" ... قالها ... ثم انصرف وكأنه يردد في نفسه ... ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به ... أو يردد ... ربي ان لم يكن بك علي سخط فلا أبالي ... أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به السموات والأرض ...لك العتبى حتى ترضى ... لك العتبى حتى ترضى ... لا أعلم حقيقة ماذا كان يُحدّث نفسه ... ولكني اني على يقين كان يتمتم ... ربنا ... ربنا ... ربنا ... حيث انقطع رجاءه من العبد لا محاله!!
انصرف وأبقى همه فوق همي ... فحملني ما لا طاقه لي به ... وأنصرفت أنا أحدث نفسي ما يدور في نفسه ... مالي ومال أحزانك يا أخي ... ليتك وليت وولّت معك أحزانك... ليتني على قدر أهل "العزم" أهلا لها ... أما علمت قول صاحبنا "لا تشكي جرحا أنت صاحبه ... فلا يؤلم الجرح الا من به ألم" !!
الأنحناء أهم من الأداء !
أذهلني منطق هذا الرجل المخضرم ... يكيل للمديح في الاشتراكيه لهذا... ويكيل للاخر ويزيد في الليبراليه ... ظل يصفق لحديثي حتى طننت انه من أهل بيتي ... وبعدها اذ أراه يصفق لنقيضي ونص ويزيد ... يسلم على البعض بتحية الاسلام ... والبعض الاخر بسلام القوميين ... ويحيي الاجانب على طريقتهم ... ويقبّل نسائهم على طريقتنا .. ويدق الكؤوس ... لقد كان يقوم ويصفق ويعانق المتناقضات من الافكار والاراء والاشخاص ... ثم يجلس ... فكان "أهل بيت" الجميع!
التقيت استاذنا العربي هذا في احدى المؤتمرات في دولة اوروبيه قبل أشهر, و"أبهرني" حديثه ومنطقه في التعامل مع الاخرين من جهه والتوافق مع نفسه من جهة أخرى وفي اّن واحد, لم اصبر على الموقف ... فكلمته وحييته وقابلني بتحية أحسن منها ... وكنت قد توقعت منه ذلك ... وكنت من الجرأه أن سألته ... أفتنا يا "محير العقول" في سياستك وتوافقك مع المتناقضات .. فأجاني ... انه حديث يطول ... الجواب في العشاء .. وأجبته ... العشاء "علي" يا صاحبنا العربي!
جلسنا وقصّ علي سيرته الذاتيه منذ مقتبل شبابه ... وحدثني كيف كان وكيف أصبح ... كيف كان مستقلا ويصفق لنفسه ومبدأه ... وكيف أصبح وحلكة الظروف التي أحاطت به وكيف "أجبرته" على التغير والنكيف مع المتغيرات والمتناقضات ... وكيف ولماذا في المحصلة أصبح يصفق للجميع ... اذ أرهقه " ذو المذهب الواحد" على ما يبدو ... حديثنا طال واختلطت فيه مزاج الجدية والدعابة السياسية ... في نهاية الحديث قال لي ... يا دكتور ... باختصاااار ... "الانحناء أهم من الأداء" !!!
الخلاصة: الى صديقي "الجريج" الأول ... ما رأيك في حديث صديقنا "الباسم" الثاني ؟!
هل أذهب وأقص ما حدثني الثاني للأول وأهدأ من روعه ... أم أتركه وشأنه حتى لا أفسد عليه مفاجأة لذّة المنظر القادم من أيامه ... أعلم تماما انه الان على مفترق الطرق ... تماما في ذات موضع قدم صديقنا الثاني يوما ما في ريعان شبابه ... فأي الطرق سيختار وأي قصة سيقصها لاحفاده ... ولزملائه المشاركين في المؤتمرات القادمه في اواخر ايام حياته؟!
"الانحناء" هنا .. في وطنك وبين أهلك ... فقط لتعيش بجسدك وليومك... أم "الاداء"هناك ... في بلاد الخواجا ... لتحيا و نفسك ... والى الأبد؟!
قصة صديقنا يبدو أنها قصة كل اردني شاب .. يتطلع الى الاردن بعين والى طموحه بعين أخرى ... قد ينتهي به الامر الانحاء رغما عن نفسه حتى يعيش ... فيكون الانحاء للاشخاص ... لا للوطن ... فأين نحن من صناعة الانسان وصناعة الانتماء ... قبل صناعة الطموح والاحلام ... والارقام!