التهرب الضريبي .. طرق للوقاية والعلاج
د.خليل ابوسليم
07-10-2013 09:28 PM
منذ فترة ونحن نسمع عن التهرب الضريبي وعن الأرقام الفلكية الضائعة على الخزينة جراء ذلك، بعضهم يقدرها بمبلغ 800 مليون دينار، وآخرون أكثر من ذلك بكثير، وآخرها تصريح احد النواب – وهو بالمناسبة موظف سابق في دائرة ضريبة الدخل- بان مقدار التهرب الضريبي يبلغ بحدود 1.5 مليار دينار.
باعتقادي أن الرقم الذي أورده سعادة النائب اقرب إلى الصحة من أرقام غيره وذلك للسبب الوارد آنفا، فأهل الضريبة أدرى بشعابها.
المؤسف أن الحكومات المتعاقبة ما زالت تعزف على سيمفونية التهرب الضريبي، لكنها لم تقدم لنا أية وصفة للحد من هذا التهرب ولم تقدم كذلك حلولا شافية لتحصيل المبالغ المتهرب منها، ربما هي لا ترغب في ذلك خشية الوقوع في عش الدبابير.
قد يكون احد تلك الأسباب، أن غالبية المتهربين ضريبيا هم من الحيتان في البلد والذين لديهم السطوة والقدرة على التهرب وشراء الذمم وتقديم بيانات مزيفة لدائرة ضريبة الدخل، ولا ترغب الحكومة في الصدام معهم.
على أي حال اعتقد أن دائرة ضريبة الدخل بكوادرها المختلفة هي السبب الرئيس بذلك التهرب وإضاعة جزء لا يستهان به من حقوق الدولة والمواطن تجاه فئة من التجار والمقاولين استمرئت القفز على القانون وبكافة السبل.
كما اعتقد أن جزءا من المسئولية الاجتماعية والتخفيف عن كاهل المواطن يقع على عاتق تلك الدائرة بكوادرها المختلفة.
بحكم إطلاعي وخبرتي السابقة في العمل والذي يعتبر المرآة العاكسة للاقتصاد وحركة التجارة واقصد هنا الاستيراد والتصدير، فان معظم الشركات تقوم بالحصول على القروض من البنوك لغايات تمويل مستورداتها من السلع بهدف تخفيض الضريبة بمقدار الفوائد البنكية في الوقت الذي يمكنها فيه من تمويل مستورداتها ذاتيا.
على أي حال هذا الأمر ليس بذلك القدر من الأهمية، ما يهمنا هو أن جزءا كبيرا من تلك الشركات تقوم بالعادة بإعداد نوعين من القوائم المالية، احدهما صحيحة وتمثل نشط الشركة وأرباحها الفعلية لأغراض الحصول على القروض، والأخرى مزيفة وتبين مقدار الخسارة فيها أو أرباحا متدنية، طبعا القوائم المزيفة هي لأغراض ضريبية فقط، وهذه التي يتم إعدادها بمساعدة العارفين بدهاليز الضريبة وقوانينها وتلك أول خطوات الهرب الضريبي.
ما أود الإشارة إليه هو أن معظم الشركات لديها من المحاسبين الأذكياء ما يكفي لإضاعة أضعاف هذا المبلغ سنويا على الخزينة، وهؤلاء المحاسبين تربطهم علاقات وثيقة بموظفي الدائرة بحكم أن بعضا منهم كان في السابق موظفا في الضريبة وانتقل للعمل في تلك الشركة بناء على علاقاته المميزة مع أصحاب الشركات ناتجة عن مساعدتهم في إعداد قوائمهم المالية، وبعض من محاسبي تلك الشركات هم موظفين في دائرة ضريبة الدخل وما زالوا على راس عملهم في الدائرة ويقدمون خدماتهم الجليلة لتلك الشركات بشكل سري ودون علم الدائرة.
هذا الأمر مكن أصحاب الشركات من التحايل على دائرة الضريبة وبمساعدة من العاملين فيها.
بالنتيجة كان وسيبقى الخاسر الأكبر هو الخزينة والمواطن، الخزينة من خلال التهرب الناتج عن التلاعب بالقوائم المالية، والمواطن من خلال رفع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه والتي تفوق في قيمتها الحقيقة عنها في فواتير الاستيراد.
طبعا هنا لا بد أن نشير إلى أن أول خطوات التهرب الضريبي تبدأ من المعابر الجمركية بكافة أشكالها من خلال المستندات وفواتير الاستيراد المقدمة للتخليص على البضائع وهذه بحاجة إلى وقفة أخرى.
اعتقد أن الصورة باتت واضحة لدى المعنيين ومدعي الحرص المتباكين على الخزينة ومصلحة المواطن، وان طرق الحل سهلة ومعروفة وبإمكان الجميع التعاون للقضاء على هذه الظاهرة بدلا من التهاون ولطم الخدود على الخزينة المتهاوية والمواطن الكادح، كما أننا مستعدون لتقديم حلول عملية ناجعة تؤدي بالنهاية للحفاظ على مصلحة الخزينة والمواطن والتجار في آن معا.......فهل من مستجيب؟