ما نشاهده هذه الأيام من مؤشرات عنف سياسي تسأل عنه الدولة والدولة فقط ولطالما قلنا أن عدم الألتزام بالتعديلات الدستورية سيكون له عواقب وخيمة لا سيما انه لا شرعية قانونية نهائيا لتصدي محكمة أمن الدولة للجرائم التي تخرج عن الحصر الدستوري لها ولا يجوز محاكمة المدنيين نهائيا اما هذه المحكمة ألا في حالات مخصوصة على سبيل الحصر تطبيقا لقاعدة الأثر الفوري والمباشر للقواعد القانونية فما بالكم عندما تكون هذه القواعد راسخة في التشريع الأسمى والأعلى درجة ..
التعديلات التي يتوجب ان تجري فورا على قانون محكمة أمن الدولة تحمل في طياتها رسائل سياسية كبيرة وسيترتب عليها آثار ونتائج قانونية وأصلاحية وأقتصادية وأجتماعية أكبر تستحق أشارة وأضاءات سريعة وأعطاء هذا الموضوع قيمته الحقيقية التي غابت عن ذهن العديد من المشتغلين في العمل العام خصوصا في هذا الظرف الحساس الذي تعيشه المنطقة واحتمال دخولها في أضطرابات أمنية وعسكرية كبرى ..
من الخطأ الفادح سياسيا وأمنيا واجتماعيا الأنتظار لحين تعديل القانون لغايات أعلان المحكمة عدم اختصاصها في الأتصال بدعوى الحق العام بالنسبة للعديد من الجرائم وعلى رأسها تهمة غير موضوعية متهاترة ساقطة في بنيتها وركنيها المادي والمعنوي موجهة لمجموعة من الفتية تحت بند تقويض نظام الحكم وبصراحة فالتهمة غير لائقة بالنظام لا بالفتية انفسهم ولا أدري اذا كانت مثل هذه التهم غير الموضوعية لها أهداف اخرى مثل توجيه الصراع نحو قضايا لا تتفق وسياق الحدث الأهم أو أنها عبارة عن عملية سياسية لا أمنية غير مدروسة تلحق أفدح الضرر بمؤسسة العرش ..
على كل نشيد بموقف الملك الأستشرافي والذي دفع بأتجاه تطبيق صحيح الدستور ومن حيث التوقيت وكما أسلفنا فأن التعديلات المتوقعة تأتي في مرحلة ملتهبة وحساسة جدا مما يكشف عن ثقة العرش الكبيرة بالنفس ونظرة واعية لمؤسسات الدولة التي تقرر تكليفها بالدفاع عن الديمقراطية ويكشف عن نمط تفكير أصلاحي وقرار على أعلى المستويات بأن الأصلاح وتعزيز الحريات هو مصلحة أردنية أستراتيجية عليا وطريق لا رجعة عنه ويؤكد على عدم الربط ما بين مسيرة الأصلاح في الأردن وأية ذرائع قد يسوقها البعض للتطوير والتحديث الوطني ..
عملية التصويب للقانون سيؤدي الى دفع العملية الأصلاحية برمتها للأمام ويقطع الطريق على كل حالات التشكيك في التضييق على الحريات العامة والحق في التعبير ولن يعود هنالك وصف لتطبيق أحكام القانون بأنه عقوبة سياسية ولن يعود هنالك وجود لمصطلح الجريمة السياسية ولن يعود هنالك وجود لشيء أسمه معتقلين سياسيين بل حالات توقيف ناشئة عن تطبيق القانون وسيادة حكمه وهذا تعزيز عظيم لحالة الحرية يعزز بشكل عميق من مكانة الدولة وأهليتها وشرعيتها الدستورية ..
التعديلات أيضا ستقطع الطريق على أحالة الجرائم الأقتصادية لمحكمة أمن الدولة التي تقلق المستثمرين ومن جانب آخر فأنها تفتح المجال لأعادة المحاكمات الغيابية اما المحاكم المدنية خصوصا للشخصيات التي هربت خارج البلاد ويمكن وهذه الحال تتبعهم وجلبهم عن طريق الانتربول ولن تستطيع دولة في العالم رفض تنفيذ مذكرات الجلب الدولية او طلبات الأسترداد و / أو تنفيذ اتفاقيات تسليم المجرمين لأن قرارات الحكم ستكون صادرة من محاكم مدنية وليست عسكرية مما يقدم حماية للأستثمار والأقتصاد الوطني ..
من الآثار المهمة كذلك هو أن يلمس المواطن الأثر المباشر والقيمة والفائدة العظيمة للتعديلات الدستورية التي جرت وغيرت بشكل جوهري على احكام الدستور وما يترتب على ذلك من مواءمات قانونية للتشريع الأدنى مما يساهم في أعادة النظرة الايجابية والانجازية للتعديلات الدستورية ورفع سقوف الحرية كتطبيق عملي لا نظري مما سيساهم مباشرة في الانفتاح وتغيير انماط التفكير الاجتماعي التقليدية وتعزيز قيم المشاركة في صنع القرار دون الخوف من عواقب هذه المشاركة السياسية ..
من النتائج الكبيرة المترتبة على ذلك هو أعطاء قيمة مضافة للسلطة القضائية في القضاء المدني وتأكيد الثقة باحكامه وقدرته على التصدي للحالة مما يعزز فكرة دولة القانون وسيادة احكامه وتعزيز فكرة العدالة كقيمة أساسية وجوهرية للأستقرار ويلقي بهالة من القداسة والهيبة على قضائنا الذي لابد من الأستمرار في تعزيز أستقلاله وحياديته واحترام قراراته ومكانته ودوره في بناء الدولة الحديثة وأهميته في العملية الأصلاحية ..
قد تكون المفاجأة بأن قضاءنا المدني أكثر تشددا في ملاحقة الجرائم من القضاء العسكري ولا يتأثر بالقرار السياسي وهذا الامر تحديدا سيحلل السلطة التنفيذية من الضغط الناشيء عن اتهامها باستخدام محكمة امن الدولة كأداة لمعاقبة الناشطين السياسيين فالعديد من الجرائم التي ترتكب على وجه الحقيقة وكان يتعذر على السلطة التنفيذية وجهات تنفيذ احكام القانون فيها احالتها لأمن الدولة لأن مرتكب الفعل الجرمي كان يلجأ فورا للتمترس خلف مصادرة حق التعبير وحقوق الأنسان وأما الآن فلن يتم محاباة أي شخص يتجاوز القانون تحت أي ذريعة لأنه سيمثل امام محاكم مدنية وليست عسكرية تتهم بتبعيتها للسلطة التنفيذية وعليه فمن المتوقع ان تنتقل مطالب الناشطين لتعديل حالة التجريم في القانون او ازالتها نهائيا مما سيثير جدلا وطنيا واسعا شعبيا ونخبويا ..
في معرض الحديث عن التعديلات الواجبة على قانون محكمة أمن الدولة لابد من الأشار الى ان دائرة المخابرات العامة كانت أول مؤسسة أردنية تطبق النص الدستوري القاضي بعدم جواز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية وظهر الأثر الفوري والمباشر لأحكام الدستور على اجتهادها القانوني الصحيح بعدم أختصاص محكمة المخابرات في نظر قضية محمد الذهبي بالرغم من وجود سابقة قضائية لذلك في قضية سميح البطيخي وهذا شيء نكبره ونحترمه في ألتزام المخابرات العامة بالنص الدستوري وعملها تحت مظلة القانون ..
وعليه فمن باب أولى أن يصار لتطبيق هذه الاحكام على جميع القضايا المنظورة حاليا مع ايراد نص في التعديل لغايات الاحالة للمحاكم المدنية بأن جميع الاجراءات السابقة على صدور القانون بصيغته المعدلة كانت صحيحة كما لابد من أن تشمل التعديلات جميع القضايا التي نظرتها محكمة أمن الدولة بعد نفاذ احكام التعديلات الدستورية في حال كانت الاحكام قابلة للطعن لصدورها غيابيا او بمثابة الوجاهي وذلك من خلال الأخذ بمبدأين مستقرين وهما القانون الاصلح للمتهم حتى في الجانب الأجرائي والأثر الفوري والمباشر للقانون ..
وأخيرا لابد من الأشارة الى ان أختصاص محكمة أمن الدولة بعد التعديلات بأنه يشمل قضايا التجسس هو أمر غير منتج ولا معنى أو قيمة قانونية له لأن المواد الواردة في قانون العقوبات والمتعلق بهذه الجريمة ملغاة من قانون العقوبات وحيث نص الدستور على وجوب نظر المحكمة لهذه الفعل واعتبره جريمة تجري عليها الملاحقة فلا بد وهذه الحالة من تعديل قانون العقوبات لتجريم فعل التجسس وفي حال كان الغاء النص ناشيء عن معاهدات دولية فلابد من تعديل النص الدستوري لازالة التناقض ..