للدم حرمته،ومع هذه الحرمة،فان الاردن يمتاز اجتماعيا وسياسيا،بكونه أبدع فقهه الخاص،في هذا الصدد،وليس غريبا ان يسامح الناس بالدم،ليس لرخص قيمته،بل لأن قيمة العفو والتسامح،تبقى هي الاساس.
في الجانب الاجتماعي،آلاف الحكايات،عن التسامح ازاء قضايا الدم،التي تأتي عبر حوادث اطلاق النيران،وحوادث السيارات وغير ذلك،وهذا مبدأ اجتماعي متعارف عليه،ومعروف بين الناس،ومعتمد ايضا من كل مكونات البلد،وهو طوق نجاة على ما فيه من سلبيات احيانا.
قضايا الدم بالمعنى السياسي،يتم تطبيق ذات المعيار عليها،ونعرف كلنا حكايات العفو عمن دبروا الاغتيالات ومحاولات القتل،وبعضهم عاد وزيرا او مسؤولا،وبعضهم لم يخسر مكانه جراء موقف ما.
هذا يعني ان فقه الدم في الاردن له قواعده الخاصة به،على المستوى السياسي والاجتماعي،وهي قواعد ثابتة ومتوارثة ومتفق عليها ايضا.
مناسبة هذا الكلام ماقرأناه البارحة في «الدستور»وبقية وسائل الاعلام حول مطالبات الحراكات وابناء الطفيلة ايضا باطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين من الطفيلة وغيرها،على خلفيات متعددة،جميعها سياسية.
هذه المطالبات قديمة جديدة،غير انها تأتي في ميقات قلنا فيه ان الاردن الرسمي في اقوى حالاته،وقد عبر الربيع العربي بخسائر قليلة،وليس تحت ضغط احد،هذه الايام،حتى لا تتم ترجمة التسامح بشكل خاطئ.
لا أحد يقبل إطالة اللسان،ولا تشويه سمعة الدولة،ولا الدعوة لهدمها وتقويضها،ولا احد يرضى ايضا محاولة زعزعة الاستقرار..
نتحدث هنا عن جانبين،الاول يتعلق بقصة الطفيلة مع الدولة التي بدأت عادية وسرعان ما كبرت،دون داع اساسا،وقد كان بالامكان منذ البدايات حل الاشكالات بطرق سهلة ودون التورط في ازمة ثقة.
ثم قصة معتقلي الحراك بشكل عام،وجميع قضاياهم ايا كانت تبقى اقل درجة من قضايا الدم التي شهدناها سياسيا واجتماعيا،في حياتنا.
نتحدث عن قضايا الدم التي يتم التسامح بها،ومن الاولى ان يتم التسامح مع القضايا الاقل درجة،حتى لو بلغت التعبيرات،حدا غير مقبول،فالدولة ،ليست ضعيفة،حتى لايتم تفسير عفوها واغلاقها لهذه الملفات من باب الضعف،وعدم القدرة على المواجهة،فلا مناددة اساسا.
مادام الاردن قد تجاوز اخطار الربيع العربي الفوضوية،فلماذا يتم استنبات مواجهات جديدة،يديرها محترفون او هواة،او باحثون عن منافع شخصية،وقد شهدنا في بحر الايام الماضية عودة المظاهرات والمسيرات،ووقود اغلبها يتعلق بملف المعتقلين،وهذا ملف لا يضير الدولة ابدا اغلاقه،مادامت قوية،وان تجنح الدولة الى تسويات اجتماعية وسياسية،لاتخالف روح القانون،بقدر كونها،تتطابق مع روح الدولة والشعب،وهي روح قائمة على فكرة التسامح،برغم ما في مظهرنا العام من قسوة،لايلغي المساحات البيضاء في الكل.
كل ما ندعو اليه،طي ملف المعتقلين،وعدم تحويل الملف الى مطية لجهات كثيرة تتخذه وسيلة لاستنبات المواجهات بعد شهور الهدوء،وهذا الاغلاق لن يعبر عن ضعف ابدا،بقدر كونه متطابقا مع فقه الدم الاجتماعي والسياسي الذي يعفو عما هو اخطر.
(الدستور)