تشكل هجرة العقول والكفاءات الاردنية المتميزة بالسنوات الاخيرة ظاهرة تستحق ان تؤخذ بعين الاعتبار من قبل متخذي القرار بالدولة الاردنية من حيث البحث والدراسة والقراءة المتأنية لمعرفة اسبابها ومؤشراتها ودلالاتها لما لها من تأثير سلبي على حقول كثيرة منها الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والسياسية والتنموية ، وكذلك على تنمية المورد البشري وبناء الانسان والمواطن الاردني الذي نعتز ونفتخر بكفاءته على المستوى العربي .

فلو لاحظنا بالسنوات الاخيرة غادر الوطن من حملة درجة الدكتوراه والماجستر الى المملكة العربية السعودية لوحدها من اجل العمل في جامعاتها ما يقارب ثلاثة آلاف شخص وذلك بالعام المنصرم ،وغيرهم الذين غادروا الى بقية دول الخليج وغيرها من دول العالم وما يزيد الامر استغراباً ان الجهات المختصة لم تتحرك لمعرفة الاسباب والدوافع ولم تشكل لجان لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة حال لجان المياه والكهرباء والعنف الاجتماعي وغيرها.

إن الحديث عن الاسباب والدوافع التي تؤدي بهذه الكوكبة من الكفاءات مغادرة الوطن وبالرغم من الظروف الصعبة التي عانوها اثناء دراستهم من تكاليف باهظة ونفقات عالية وجهد وسهر وحرمان انفسهم وعائلاتهم من اشياء كثيرة لاجل اتمام دراستهم والعودة للوطن ، ليتفاجئوا بان الرواتب والعوائد المالية والاجور متدنية واصبحت متأكلة ، ولا تتلائم مع ظروفهم المعيشية ، ولا تتناسب مع ما يبذلونه من جهد في سبيل بناء الشباب الاردني ، ولذا فبدلاً من قيام هؤلاء بتطوير انفسهم بالبحث العلمي والمشاركة بالندوات والمؤتمرات والتأليف وغيرها اصبحوا يفكرون في ايجاد مصدر دخلٍ اخر سواء بفتح مشروع سوبر ماركت او مطعم او شراء سيارة تكسي وغيرها ، وهذه من خلال الاستقراض وليس بالادخار المتأتي من راتبه من اجل تغطية نفقات حياتهم الشخصية والاسرية والقدرة على العيش السليم.

وبالتالي ان استمرار هجرة هذه الكفاءات سوف يكون له تأثير سلبي على مستوى التعليم العالي ومن ثم تدني مستوى خريجي الجامعات لدينا ، ونتمنى على حكومتنا الموقرة ان تفكر جدياً بتشكيل لجنه متخصصة للوقوف على اسباب ودوافع هجرة العقول الاردنية المتميزة الى خارج الوطن ومن ثم وضع التوصيات المناسبة للاستفادة من الخبرات المتوفرة بالوطن في مجالات عدة منها التعليمية والتدريبية والاستشارات وفي كافة المجالات والتخصصات لخدمة الوطن والمواطن من خلال اعادة النظر بنظام الاجور والحوافز المتعلق بهم للمساعدة في توفير الظروف المعيشية المناسبة لهم والمحافظة على بقاءهم واستمرارية الاستفادة من خبراتهم في بناء مستقبل الاردن السياسي والاجتماعي والاقتصادي .