لم يحمل لقاء الفريق الاقتصادي للحكومة مع قادة الأحزاب السياسية، أول من أمس، نتائج غير متوقعة. لكن جلوس الطرفين على طاولة وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية، د. خالد الكلالدة، هو بداية يمكن البناء عليها.
اللقاء كان أقرب إلى جلسة استماع؛ الحكومة عرضت، وبالتفاصيل الكاملة، حالة الاقتصاد الأردني، والأزمة التي تواجهها المالية العامة.
والأحزاب من جهتها لم تبخل في نقد السياسات الاقتصادية لحكومة د. عبدالله النسور، وبلهجة شعبوية أحيانا.
وفق الوقائع التي عرضها الوزراء، ليس ثمة بديل بالنسبة لهم غير الذي تسلكه الحكومة حاليا لتخفيض العجز ومواجهة أعباء الديون المتراكمة، والمحافظة على الاستقرار النقدي والمالي للمملكة.
الأحزاب من حيث المبدأ لا تختلف مع أهداف البرنامج الحكومي، لكنها تعارض الوسائل التي اتبعتها الحكومة لتحقيق هذه الأهداف، من دون أن تقدم بدائل يمكن الاعتماد عليها بشكل واقعي.
ليست الأحزاب وحدها من يعارض سياسات الحكومة في هذا المجال، بل الأغلبية الواسعة من المواطنين الذين يعانون صعوبات المعيشة، وتآكل المداخيل.
لكن استمرار النقاش حول قرارات الحكومة فيما يخص إلغاء الدعم عن المحروقات والكهرباء وغيرها، يبدو بلا معنى؛ فقد أصبحت خلف ظهرنا. وتعلم أحزاب المعارضة أنها لو تسلمت الحكومة من النسور وفريقه اليوم، لما استطاعت التراجع عن القرارات الاقتصادية التي اتخذها.
إذا ما رغب الطرفان في مواصلة الحوار في المستقبل، فإنه يتعين عليهما أن ينتقلا إلى مناقشة الأمور المفيدة للمستقبل بدل حوار الطرشان هذا.
يمكن للأحزاب، على سبيل المثال، أن تتقدم بمسودة أفكار عملية تساعد، في حال تبنيها، على تخفيف الآثار السلبية لسياسات إلغاء الدعم، على الطبقة الوسطى والفئات الشعبية.
لقد أثبتت تجارب بلدان عديدة أن بالإمكان احتواء النتائج المترتبة على القرارات الاقتصادية الصعبة، عبر إجراءات متلازمة ولاحقة؛ في مجالات التعليم والطاقة والرعاية الصحية والخدمات والأجور، وتوجيه الموارد لتحقيق إصلاحات مباشرة وملموسة في قطاعات النقل العام، وتطوير مؤسسات التعليم في المدارس.
وتوفر المبالغ المرصودة من المنحة الخليجية لمشاريع تنموية وخدمية، فرصة ممتازة لتحقيق هذه الأهداف.
الهمّ الأول الذي يؤرق القطاع العريض من المواطنين اليوم، هو ارتفاع أسعار الخدمات والسلع بمعدلات تفوق قدراتهم. فلنضع هذا العنوان فقط على جدول أعمالنا الوطني، ونشرع في حوار مركّز يجمع الأحزاب والخبراء ورجال القطاع الخاص مع مسؤولين حكوميين، لبلورة تصورات محددة وقابلة للتطبيق، تساهم فعليا في ضبط السوق وتجنب المزيد من الارتفاعات.
يشترك الجميع في القناعة بأنه من دون جذب المزيد من الاستثمارات، لا يمكن توفير فرص عمل جديدة. ما الذي يمكن فعله، إذن، لتطوير قدراتنا على كسب المستثمرين، وتوفير البيئة المناسبة لنشاطهم في الأردن؟على الصعد كافة، ينبغي على جميع الأطراف أن تنتقل من دائرة النقاش العام إلى دوائر أصغر للحوار حول عناوين محددة. ففي هذه الحالة، يتخذ النقاش طابعا عمليا ومنتجا، لا يحتمل التنظير والنقد الشعبوي من طرف المعارضة، ولا اللغة المستسلمة للواقع من جانب طواقم الحكومة.
(الغد)