تتعدد مسببات الضغط على الأردنيين. ربما يكون الوضع الاقتصادي، وتحديداً تدني المداخيل وارتفاع الأسعار، بالتزامن مع ضعف قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة والفقر، هي عوامل مزمنة تضيّق على المجتمع.
فجوة التنمية، وغياب الشعور بالعدالة، والقلق من المستقبل الذي يأتي وسط شعور بغياب هيبة الدولة والتساهل في تطبيق القانون، هي أيضاً من الأسباب التي تؤدي إلى ذات النتيجة. كذلك الأمر بسبب تدني معدلات النمو التي ينحسر تأثيرها مع النمو الاستثنائي لعدد السكان؛ إذ زاد معدل هذا النمو بشكل مفاجئ نتيجة اللجوء السوري، بحيث بات السوريون يشكلون اليوم نسبة 10 % من السكان.
النمو السكاني بمعدلاته الطبيعية التي تقدر بحوالي 2.8 %، كان تأثيره سلبيا قبل ذلك، كونه يؤدي إلى تبخر معدلات النمو الاقتصادي المتحقق، والتي لم تتجاوز خلال النصف الأول من العام الحالي 3 %، فكيف الحال اليوم في ظل التطورات السابقة؟ ثمة مشكلة كبيرة تتعلق بالعقلية الشعبية التي ما تزال تُصرّ على العمل في القطاع العام، ما يزيد الضغط على أصحاب هذه العقلية من حيث لا يدرون! فمثلا، يوجد في المفرق وحدها 3 آلاف عامل غير أردني لديهم تصاريح عمل، في وقت يرزح فيه أبناء المحافظة تحت أرقام بطالة كبيرة.
إقليميا، لا يبشر المشهد السياسي بالخير، وهو أيضا يرمي بحمله على المزاج المحلي. إذ ترى الناس، من غير تخطيط، يتطلعون بعين على سورية، ويرصدون بالعين الأخرى ما يجري في مصر، كما ليبيا وتونس واليمن، واليوم يبدو السودان على الطريق! ومحليا، فإن المعطيات السياسية لا تخفف من وطأة الوضع الإقليمي.
إذ الآن يلوم الناس أنفسهم على نوعية مجلس النواب الذي أفرزته إرادتهم، وهم يرون "ممثليهم" لم يتركوا أسلوب عنف إلا استخدموه؛ من الأحذية إلى الأسلحة!الحكومة هي الأخرى لم تقدم أسبابا لراحة بال المواطن، بل على العكس؛ أنهكته بقراراتها الصعبة ومماطلتها في المضي في حسم ملفات الفساد المنظورة. وتعاظم الشعور بعدم الراحة نتيجة السياسات العرفية المتبعة، التي بدأت بقانون المطبوعات والنشر، واستمرار توقيف الحراكيين، مع قول الحكومة على لسان رئيسها أن "لا موقوف رأي لدينا".
أسباب توتر المجتمع كثيرة؛ بعضها من صنع يد الحكومة، وبعضها الآخر تركة حكومات كثيرة قصّرت في مواجهة الاختلالات، وبعض ثالث مرتبط بعقلية المجتمع.
المشكلة أن كل هذه الضغوط ما تزال عاجزة عن إيصال رسالة بضرورة التوقف عن استفزاز الناس، بل بدأنا نشهد ابتكار أساليب جديدة تجرّنا إلى منطقة مختلفة، تكشف عن عقلية عرفية بدأت تستعيد قوتها، وكأنها تستقوي على الناس وتقول لهم: لا يكفيكم ما بكم.. سأضيف لقائمة أسباب نكدكم المزيد، وأعكر أجواءكم أكثر! هكذا تعددت "الابتكارات"، من توقيف شباب حملوا شعار ميدان "رابعة"، إلى الإطباق على خصوصية الناس بتهمة تتعلق بتجاوزات ارتكبوها أثناء "دردشة" خاصة عبر أحد تطبيقات التواصل الالكتروني. هذا عدا عن استمرار اعتقال النشطاء السياسيين.
لمصلحة من يتم; توتير الأجواء، وفي كل توجه سياسي ثمة مستفيد وآخر متضرر؟ هل من الممكن أن نقدر مَن المستفيد من كل محاولات الحد من حرية التعبير في قضايا لا تخضع حتى للمنطق والتفكير العقلاني؟ ومن المتكسب من إدراج عامل جديد لمسببات استفزاز الخلق؟أزعم أن لا أحد يعتقد أن ما يجري يصب في صالح البلد وناسه.
(الغد)