حُلت جماعة المعروفين باسم الإخوان المسلمين في مصر , و هو إجراء كان لا بد منه من فترة طويلة , لكن المشكلة أن الحل جاء متأخرا و ذلك بعد أن استشرى التنظيم الدولي للأخوان المسلمين في مفاصل الكثير من الدول حول العالم بإديولوجياتهم و تنظيماتهم , حيث أن هذه الجماعة تجيش و تعمل تحت ستار الظلام منذ أمد بعيد دونما ردع كاف .
موريتانيا ليست بمنأى عن ذلك ,فقد أستشرى فيها سرطان الأديولوجية الإخوانية (إخوانيزيم - Ikhwannisim) كما هي حال العديد من البلدان منذ مدة للأسف الشديد , و مع نشاطاتهم البسيطة إذا ما قورنت مع نشاطات الأفرع الدولية للجماعة في الدول الأخرى , إلا أن إخوان موريتانيا نهجوا منهجا آخر في اقتحامهم للمجال السياسي , و مع حصيلتهم السياسية البسيطة نتيجة عدم وعيهم السياسي و انعدام النضج المصحوب بالرؤية المناسبة , و حصيلتهم الإنتخابية الأخيرة التي عبر عنها بعض الكتاب بالمخزية , فقد إنتهجوا نهج التحالفات السياسية - نتيجة أن المطلب واحد و هو كرسي الرئاسة - لم تتوانا جماعة الاخوان و الحزب السياسي الممثل لها “تواصل “ عن التحالف مع أقطاب المعارضة الأخرى- حتى و إن اختلفت الأديولوجية كما هي الحال مع الأحزاب الليبرالية و العلمانية - و الإنخراط في ما يعرف بمنسقية المعارضة الديمقراطية , مستغلين الحرية و الديمقراطية المتوفرة في البلاد .
إن الجماعة لا تعتمد على ترخيص الجماعة في مصر و إنما تعتمد على ترخيص سياسي لحزب سياسي مدني لكن الواقع الجماعة في موريتانيا ليس ببعيد من واقعها في مصر من ناحية الإديولوجية و الأهداف مما يجعل حتمية التأثر واقعا لا مناص منه , لكنه سيكون تأثرا من طرف واحد و هو طرف الجماعة لا الدولة الموريتانية , حيث أن سياسات الدولة مرسومة سلفا و قد أثبتت الأزمات و التحديات التي واجهتها صرمتها من ناحية و مرونتها من ناحية أخرى , فلا يتصور أن تتأثر السياسة الوطنية بالإيجاب أو السلب و إنما ستسلك طريقها المعتاد , و دليل ذلك ما حصل في نواكشوط بعد الثورة المصرية الأخيرة و إسقاط محمد مرسي , فالداخلية الموريتانية رخصت كافة المظاهارات التي قام بها الإخوان كما هو معتاد و كفلت لهم حقوقهم التعبيرية و السياسية بالرغم من اختلافها الصارخ معهم , و ها هي أيضا اليوم تفتح باب الحوار الوطني لكافة الأطياف بما فيهم الإخوان و أيضا تتيح فرصة الإنتخابات البرلمانية و الرئاسية أمام الجميع .
إن المتأثر الوحيد بحل الجماعة سيكون الإخوان وحدهم , ذلك أن الآمال المبنية على تجربتهم في مصر بدأت تتحطم , و السند القوي اللذي كان يتمثل بوصولهم الى السلطة تبدد , و الآن تحل الجماعة مما لا يجعل لها أرضية قانونية لمزاولة أنشطتها .كل ما سلف يعتبر خطبا جللا , و صدمة من العيار الثقيل , و يعتبر رفعا للتحديات التي يواجهها فرع التنظيم في خضم الدوامة السياسية , التي يكافحون فيها , فلن يكون التأثر فقط مظاهرات هنا و هناك أو احتجاجات أمام هذه السفارة و تلك و إنما سيكون أيضا عزما و إصرارا لتعويض الخسائر و الكفاح من أجل زيادة القاعدة الشعبية الضئيلة و المتضائلة شيئا فشيئا, خصوصا بعد انكشاف العديد من الأقنعة عن وجوه العديد من القيادات و الفاعلين السياسيين من الجماعة اللذين أثبتت الأحداث في رأيي كفرهم السياسي .التأثر لن يكون فقط كما عبر بعض كتاب الجماعة في الإعلام العام أنهم لن يتأثروا و أنهم لا دخل لهم بما يحصل في الخارج , و لكن الحقيقة هي خلاف ذلك نتيجة العلاقات الدولية التي يتمتعون بها مع التنظيم في مصر و التسييس و التحريك و الدعم المالي الخارجي , و هو ما بدى جليا بتحركاتهم الأخيرة .إن الجماعة الآن أصبحت مستنفرة استنفارا أقصى و ذلك لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على الساحتين السياسية و الاجتماعية في البلاد نتيجة النكبات المتعددة التي كان آخرها حل الجماعة في مصر و اللذي كانت ظلاله حاضرة في أقصى المغرب العربي .
إن المخرج الوحيد أمام إخوان موريتانيا هو التوبة السياسية و الإنثناء عن الإنجرار وراء التيار الإخواني الدولي و تداعيات الأزمة المصرية و الإنخراط ضمن إطار وطني موريتاني بصيغة معزولة عن التداعيات الإقليمية بإعادة التموضع في الخريطة الجيوسياسية.