سوريا ليست العراق ولا ليبيا ولا حتى أفغانستان لكن الصهيونية الماكرة محركة الغرب الأمريكي من وسط مؤسسة إيباك، وأمريكا الناطق الرسمي باسم تل أبيب، والراديكالية الدينية بقيادة جبهة النصرة والقاعدة يريدون لها أن تكون كذلك ليست حفاظاً على حياة الشعب السوري فقط وإنما من أجل ضمان أمن إسرائيل وسكانها اليهود الرحل أولاً مع اختلاف هدف القوى الوطنية المستقلة الدينية المتطرفة السلفية منها والوهابية المتنازعة على سلطة في دمشق بالطبع، فما أراده (البنتاغون) للعراق وليبيا وأفغانستان تمناه لسوريا وبنفس الموديل والحجج ذات العلاقة بالديكتاتورية وأسلحة الدمار الشامل ونشر الديمقراطية وحماية شعوب المنطقة الشرق أوسطية من شرور بعض أنظمتها السياسية مع فارق أن العراق وليبيا لا تملكان السلاح بينما هي سوريا استعدت لإشهار ذمتها وكشفت عن سلاحها الكيماوي علناً، ويراد لمارش الربيع العربي أن يستمر وليبحث عن دول مزعجة لأمريكا وإسرائيل مثل إيران وروسيا.
يقابل هذه المعادلة السياسية هو أن الأصل في الربيع العربي ومنه السوري أنه إصلاح وثورة ونهضة من الداخل ضد الفساد والاستبداد وغلاء الأسعار وغياب العدالة والوحدة وتحقيق للديمقراطية الشفافة وتحطيم للشمولية والتوليتارية ولتوريث السلطة للابن والحفيد بطريقة ملكورية داخل النظام الجمهوري، لكن المدهش هنا هو وصف الكاتب رايموند هينبوش مدير مركز الدراسات السورية في جامعة سانت اندروز الثورة السورية بأنها ليست آنية وبدأت من فوق مع اعتلاء حزب البعث لسدة الحكم عام 1970 ولم يخطر بباله بأن فوق ثورة الأسد الأب حافظ الانقلابية العسكرية ستظهر ثورة من تحت شعبية وأخرى دولية مؤامراتية من فوق أسوار سوريا الدولة والوطن في عهد الابن بشار الأسد، وبأن مشروعاً أشبه بسايكس بيكو سوف يتجدد لكن الكاتب الآخر ستيفن هايدمن في كتابه (التسلطية في سورية) ص 15 ألمح إلى انهيار سلطوي سوري حيث كتب يقول بأن صعود بشار الأسد السريع والسلمي والمنظم خادع، فسورية خلال الأشهر القادمة على الأرجح ستكون أي شيء ما عدا أ، تكون مسالمة ومنظمة، وما حدث عام 2011 أكد الحدس وخلط أوراق السياسة الشرق أوسطية والعالمية معاً.
لقد بدأ الحدث السوري في (سوق الحميدية) في دمشق وفي مدينة درعا المحاذية للحدود الأردنية إصلاحياً وبسيطاً وكان بإمكان الرئيس الأسد الشاب أن يقابله بإصلاحات سريعة مقنعة تبدأ بتعديلات دستورية عملية جادة تحقق العدالة، والديمقراطية وتضيق الخناق على الفساد وتعيد السلطة في دمشق إلى عرين النظام الجمهوري المرتكز ليس على التوريث ولا على الانتخابات الرئاسية الشكلية المعروفة بنسبها المئوية العالية بالإكراه والإغراء وإنما على تداول السلطة وفق نظام انتخابي رئاسي يمنع الرئيس من الترشح بعد خوضه لجولتين رئاسيتين متتاليتين ويحق له أن يعود للانتخابات من جديد بعد تركه لجولة واحدة إذا ما أراد الشعب ذلك، لكن مواجهة الإصلاح بالأساليب الأمنية والعسكرتارية مباشرة أشعلت فتيل الأزمة وحولتها إلى ثورة بدأت وطنية مستقلة ثم تحولت إلى مسلحة عنيفة وشرسة بمساعدة بعض دول العرب مثل قطر والسعودية والعالم الغربي مثل أمريكا وفرنسا وإنجلترا واستنجدت لاحقاً بالطابور الخامس الديني الراديكالي المتطرف بقيادة ا لسلفية والوهابية (السلبية فيها) وارتحل إليها من أفغانستان والعراق وليبيا ومن مختلف دول العالم الشرقية الآسيوية والأفريقية تنظيم القاعدة الإرهابي تاجر الحروب ومتعهدها واختلط النضال ضد استبداد سلطة البعث وعائلة الأسد وتحول إلى دموي وسادي وأصبح من حيث ندري أو لا ندري خادماً للمشروع الصهيوني أمريكي ذو الأهداف السايكس بيكية بينما العرب في غفوة سياسية تامة وفي أحلام سرابية عميقة.
نعم قد تكون الديمقراطية المطلوبة من قبل أغلبية الشعب السوري الشقيق ومعارضته الوطنية العلمانية المستقلة لم تبلغ الكمال بسبب تراكم أخطاء سلطة دمشق السياسية الداخلية منها والخارجية سواء على مستوى إقصاء التيار الإصلاحي أو على مستوى الانغلاق على الذات دولياً وإتباع سياسة (القنفذ)، فداخلياً اعترفت دمشق بالمعارضة الموالية والمسالمة وأدارت الظهر واصطدمت عسكرياً مع المشاكسة والناقدة والرافضة لها في شوارع المدن والأرياف، وخارجياً ألصقت نفسها بسكة إيران أولاً واشترت لنفسها سلاحاً كيميائياً خطيراً يصنف من أسلحة الدمار الشامل دفاعاً عن الوطن السوري عندما ينادي ولكي لا يصاب بأي مكروه احتلالي جديد لا سمح الله وقدر خاصة بعد احتلال الجولان إسرائيلياً لاسباب استراتيجية سياسية وعسكرية ومائية، لكنها أي سوريا لن تستطيع يوماً أن تهاجم به شعبها رغم الأقاويل الاستخبارية الأمريكية حول ذلك، ولن تستطيع تهديد أو مهاجمة دول الجوار العربية أو إسرائيل، وسبق للرئيس أوباما أن صرح من وسط البيت الأبيض بأنه سوف يكون محتاجاً للعودة للكونغرس الأمريكي إذا ما دعت الحاجة لتدخل بلاده عسكرياً للجم تطاول نظام سياسي مثل السوري على شعبه بينما هو لن يكون بحاجة لذلك وسوف يتصرف بسرعة ومباشرة وفوراً إذا ما مس الأمر بلده أمريكا أو أي من الدول الصديقة لها وعلى رأسهم بالطبع (إسرائيل) والناتو على الخط وهو داعم أكيد لبلاده، والأفضل بالنسبة لسوريا الآن وخدمة لمؤتمر جنيف في المستوى عقده بتنسيق روسي أمريكي عالي الشأن هو الكشف الكامل عن مخابئ السلاح الكيميائي الهجومي الخطير والسماح للأمم المتحدة ومجلس الأمن بتدميره كاملاً وليس فقط وضعه تحت رقابتهم والمخرج الدفاعي العسكري المانع والحاكم لها هو توقيع معاهدة دفاع مشتركة مع الدول الصديقة مثل روسيا وإيران والصين وسوف يكون كافياً لإيقاف أي عدوان إسرائيلي جديد محتمل وفي المقابل فإن غياب الديمقراطية حالة شبه عامة تنسحب على معظم العرب.
لا خوف على سوريا من السيد الرئيس الأسد وإنما الخوف هو من استخدامه رمزاً وملكاً من قبل العائلة الحاكمة من قبل حزب البعث المجمدة سلطته ومن انحرافات بعض قادة الجيش والأمن هناك، والسوريين اليوم من أكثر شعوب العرب ذكاء وحباً للحياة والعمل لذلك نجد أن نسبة منهم فضلت التشرد على البقاء تحت نيران الصدام وتعمل وتمتهن الحرف المهنية الصعبة والدقيقة بإخلاص وأمانة تحت ظروف الحرب الاهلية الصعبة، ولا خوف على سوريا من المعارضة الوطنية العلمانية المستقلة إذا ما سعت إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع عام 2014 وحتى بمشاركة الأسد نفسه فارتفاع نسبة القتل إلى 70 ألفاً والتشريد إلى خمسة ملايين إنسان لا بد لها من أن تؤثر على نتائج الانتخابات إذا كانت حقيقية غير مزورة ولن تكون في صالح الأسد وسوف تنتج سلطة سورية من طراز وطني جديد مستقل، لكن الخوف الكبير يكمن من تغلغل فصائل المرتزقة التابعة للطابور الخامس المتطرف والمنحرف أخلاقياً ومن سعيها للوصول للسلطة بواسطة الاحتراب في الشارع والتطاول على حرمات بسطاء الناس وممارسة نكاح الجهاد وسط أهلنا السوريين، وهو أمر مرعب لجميع العرب والدول وقادة العالم في الشرق والغرب، فإلى أين هي سوريا (الدولة والوطن والشعب) ذاهبة؟ وهل من الممكن أن تنجو من وضعها الكارثي الدموي ومن التطرف الطائفي والعنصري الأحمق أيضاً؟
لا توجد أزمة اندلعت في الشرق الأوسط إلا وتكون أسبابها الكامنة اقتصادية ثم أمنية واستراتيجية وهكذا فإن الحرب العراقية الإيرانية والاجتياح العراقي للكويت وحرب الناتو على العراق وعلى ليبيا والتهديد المستمر من قبل أمريكا لسوريا وحتى لو سلّمت سلاحها الكيميائي، فإنتاج النفط بأسعار متذبذبة كانت سبباً للصدام بين العراق وإيران وشكل البحث عن منفذ بحري سبباً آخراً إلى جانب صناعة صورة لأوهام وجود أسلحة للدمار الشامل، وجاءت مشكلة إنتاج النفط وهبوط أسعاره من 18 دولار للبرميل إلى 10 دولارات لتصبح سبباً للحرب على الكويت، وتفوق جودة النفط الليبي الحاصل على رخصة دولية من الأيزو و Dar الألمانية دفعت بطائرات الناتو العسكرية للإسراع في قلب الطاولة على رأس نظام العقيد القذافي، وفي الشأن السوري نجد قاعدة عسكرية واقتصادية كبيرة لروسيا، ومنافسة بين موسكو ودوحة قطر على سوق الغاز الأوروبي عبر الأراضي السورية والآن وبعد انتباه الروس لخطر احتمال فقدانهم لقاعدتهم السورية الوحيدة وسط العرب وبعد إغفالهم للقاعدتين العراقية والليبية وفقدانهما أصدروا قرارهم الفيتو وأشركوا الصين معهم ووقفت إيران مساندة على خط هذه الجبهة وقدمت للميدان السوري حرسها الثوري وحزب الله بعد إخراج حماس من معادلة الصراع هذا بالكامل.
لأول مرة تظهر روسيا موقفها العنيد من الأزمة السورية وتضع أرجلها في الحائط وتساند سلطة دمشق علنا ليس من أجل عيون الاسد ونظامه ولكن من أجل تطبيق مبادئ القانون الدولي ومنه الإنساني من وسط مجلس الأمن والأمم المتحدة، وجاء مقال الريس فلاديمير بوتين في جريدة النيويورك تايمز شهر سبتمبر 2013 ليؤكد ذلك ولينذر بقرب انهيار نظام الأمم المتحدة بسبب تجاوزه من قبل أمريكا قائدة الناتو، وهو الأمر الذي دفع بالسناتور الأمريكي جون ماكين لمهاجمة بوتين والكتابة في صحيفة البرافدا بأن روسيا تستحق أفضل منه.
ولدى روسيا اعتقاد استخباري جازم بأن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي هي من وقفت وراء استخدام السلاح الكيميائي يدوي الصنع في أطراف دمشق بالغوطة بهدف تسريع انهيار سلطة الأسد ومن ثم الاستيلاء على السلطة بعد الاقتتال حتى مع المعارضة الوطنية السورية المستقلة وجيشها الحر، ولدى أمريكا اعتقاد استخباري جازم آخر بأن نظام الأسد وجيشه وأمنه هم من استخدموا السلاح الكيميائي وبأنه لا بد من معاقبة دمشق آجلاً أم عاجلاً، وكان هذا واضحاً في قمة ليننغراد لدول العشرين، لكن أمريكا وبحكم علاقاتها الجيوبولوتيكية الوطيدة مع إسرائيل فإنها لا تطالبها بالاقتداء بدمشق والعمل على نزع سلاحها النووي الخطير أيضا، وها هو المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يفشل في إنجاح قرار عربي يدين إسرائيل لامتلاكها السلاح النووي الخطير أيضاً، ومن ثم العمل على إنهاء احتلالها لأراضي العرب ليعم السلام مكان الخراب والدمار والحروب.
الحرب على سوريا دفع بقطار (الربيع) الهائج ليصل إلى دول عربية وأجنبية أخرى لا تنسجم سياساتها مع أمريكا وإيران وروسيا من هذه الدول المرشحة، وإذا ما قررت أمريكا القفز على الفيتو الروسي الصيني المشترك فإن عقوبات روسية صينية مشتركة اقتصادية ستظهر لاحقاً مثل العزوف عن التعامل مع الدولار الأمريكي والإقبال على عملة جديدة مثل اليورو، ويبقى المخرج من الأزمة السورية يقع وسط دائرة زرع الثقة بين روسيا المتمسكة بوحدة مجلس الأمن وبقرارات الأمم المتحدة وبين أمريكا التي تحب أن تتصرف منفردة بينما هي دولة عالمية قائدة لكنها لم تعد قائدة للعالم رغم انهيار الاتحاد السوفييتي وتحول الحرب البادرة من علنية إلى سرية.
أختتم حديثي هنا بالتركيز على دور الأردن الرسمي بقيادة سيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني من الحدث السوري المتسارع الداعي وبشكل دائم لحل سياسي شامل، ولقاء جلالته بالرئيس الصيني شي جينبينج مؤخراً وقبل أيام أكد هذا التوجه المنادي بوقف نزيف الدم السوري وسلامة ووحدة سوريا أرضاً وشعباً وحماية المشردين وتأمين الدعم اللازم لهم من المجتمع الدولي كافة. / قسم إعلام جامعة البترا – عمان .