لا شك أن قضية مكافحة الفساد تعد قضية رئيسية ومحورية لجميع دول العالم وخاصة لبلدنا العزيز الذي يعاني من قلة الموارد، ذلك لأن الفساد يشكل خطورة كبيرة على استقرار وأمن مؤسسات الدولة والقيم السائدة وقواعد العدالة، كما يعرض التنمية وسيادة القانون للخطر.
ومصطلح الفساد التشريعي يبدو للوهلة الأولى غريباً علينا لكوننا ننظر للفساد أنه متعلق باستغلال النفوذ والانحراف بالسلطة العامة وغير ذلك من جرائم الاعتداء على الأموال العامة. إلا أن كل ما سبق لا يعدو أن يكون صوراً للفساد وليس السبب له، حيث أن السبب الحقيقي يكمن في القوانين التي يستمد منها الفاسدون سلطانهم والتي تمكنهم من ممارسة فسادهم.
نعم، الفساد التشريعي أخطر صور الفساد لأنه يحول آفة الفساد من عمل غير مشروع وخطر على أمن واستقرار الوطن إلى عمل مشروع بواسطة ما يسن له من قوانين توضع لخدمة طائفة من الأشخاص، سواء كانوا من رجال السياسة أو رجال الأعمال أو ربما لتحقيق مصالح شخصية بحتة.
من المعروف أن النائب يمثل كل الأمة وينوب عنها في كل ما يحقق المصلحة العامة ومن أجل ذلك منح الدستور البرلمان وظيفة تشريعية وأخرى رقابية.
فالوظيفة التشريعية تتمثل في سن القوانين وهي من أهم الأعمال التي يقوم بها البرلمان، والأصل عند سن القانون أن يعبر عن إرادة المجتمع ويحقق غاياته.
وفي إطار هذه الوظيفة التشريعية قد ينتج الفساد التشريعي بسبب وضع قوانين تتعارض مع بعضها البعض وتضخم عددها دون مبرر أو حاجة، وكذلك عند وجود أكثر من قانون يمنح الاختصاص لأكثر من جهة في موضوع واحد.
كما ينتج الفساد التشريعي في البطء المتعمد في إصدار القوانين في مواضيع في غاية الأهمية للمواطنين. ويترتب على هذا ما يحدث عند التلكؤ في إصدار القوانين الاقتصادية التي تؤدي إلى ارتفاع أو خفض سلع معينة أو فرض ضريبة أو إلغائها. وبالتالي تتحول القوانين من وسيلة لتحقيق العدالة والاستقرار إلى سبب لانتشار الفوضى والفساد بسبب ثراء فئة على حساب فئة أخرى.
أما الوظيفة الرقابية للبرلمان فهي وسيلة لحماية المال العام ومنع الانحراف في استعمال السلطة وإلزام الحكومة بالسياسة التنموية التي وافق عليها البرلمان، والالتزام بالميزانية التي أقرها، وهكذا يكون للبرلمان سلطة رقابة سياسية على أعمال السلطة التنفيذية يحاسبها ويراقب تصرفاتها وقراراتها ومنعها من الانحراف في تطبيق القانون.
وقد كفل الدستور للبرلمان الأدوات الرقابية على السلطة التنفيذية والتي تتمثل في توجيه السؤال والاستجواب ولجان التحقيق البرلمانية وغير ذلك.
إن تعزيز الدور الرقابي للمجلس النيابي يفترض بالدرجة الأولى قيام تمثيل نيابي صحيح عن طريق قانون انتخاب حديث يضمن تمثيل كافة فئات المجتمع وشرائحه ويسمح بقيام تعددية حزبية داخل المجلس. وقد رأينا كيف أن المجالس الضعيفة أما الحكومة ساهمت في إغلاق ملفات ضخمة للفساد والتستر على أبطالها والمنتفعين منها، وبالتالي ضاع مال الشعب بواسطة من يفترض أنهم يمثلونه.
لا بد أن يتحرك برلماننا بخطوات عملية لمكافحة الفساد والوقاية منه، من خلال توفير غطاء تشريعي يضمن لهيئة مكافحة الفساد استقلالها الحقيقي كسلطة مستقلة وفك ارتباطها بأي جهة أسوة بالضمانات الممنوحة للمحكمة الدستورية، وتزويدها بكادر من أصحاب الكفاءة والقدرة على التحقيق والبحث والتحري في القضايا التي تعرض عليها دون تأخير أو ظلم، ومنع أي تدخل من أي جهة في عملها.