يشهد العالم الافتراضي، على موقعي "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما، حالة غضب شعبي ضد الحكومة، وخاصة في ظل وجبة رفع الأسعار الأخيرة التي اتخذتها، وأبرزها رفع الرسوم على الملابس، وبعد ما ثار من أنباء حول نية الحكومة رفع رسوم تسجيل وترخيص المركبات.
العالم الافتراضي تفنن في الكلام عن الحكومة، والغمز واللمز منها. والبعض كان أكثر قسوة ودعا لرحيلها. فيما حضرت النكتة في أغلب التعليقات التي شاهدتها خلال الأسبوع الماضي والذي سبقه.
أبرز ما رأيته نكتة تداولها زوار "فيسبوك" تدعو رئيس الحكومةد. عبدالله النسور، إلى المشاركة في برنامح مشاهير العرب (Arabs Got Talent) الذي تبثه قناة "أم. بي. سي 4"، باعتبار أنه يمتلك موهبة خارقة هي رفع الأسعار.
ما يدور في العالم الافتراضي هو بعض مما يدور في الحقيقة والواقع. والناس تعبر عن شعورها وما بداخلها من ضيق حال، وقسوة عيش، من خلال تعليقاتها.
الحكومة تواصل سياسة الرفع، وتصمّ آذانها عن كل النداءات التي تدعوها للتوقف عن عمليات رفع الأسعار المتلاحقة التي أرهقت المواطن وجيبه، وسببت له إعياء دائما، وتفكيرا متواصلا في طريقة تأمين لقمة العيش. للأسف، الحكومة انتهجت الأسلوب الأسرع والأكثر ملاءمة لها لمعالجة خلل الموازنة وعجزها، واعتمدت على جيب المواطن للخروج من الوهن المالي الذي تمر به موازنة الدولة.
لم تلتفت الحكومة لتأثير قراراتها على قدرة الناس الشرائية، ولم تفكر في أثر ما تقوم به على السلم والأمن الاجتماعي، ولم تقدم ما يُقنع المواطن بأهمية التضحية والصبر.
فقد تحدثت كثيرا عن محاربة الفساد من دون أن تقدم قضية فساد كبرى؛ وتحدثت مطولا عن مشاريع تنموية، وتأخرت كثيرا في الاستفادة من المنحة النفطية؛ وتحدثت مطولا عن فتح مشاريع ومعالجة الترهل الإداري والصرف الحكومي الزائد عن الحاجة، وهي ما تزال تصرف بالشمال واليمين.
المواطن يريد من حكومته توفير حاجات أساسية، أهمها التعليم والصحة والبنية التحتية، قبل أن تطالب بدفع الضريبة أو تقوم برفع ضريبة ما على المواطن. ولكن، للأسف، وضعنا الصحي يتراجع، والتعليمي حدث ولا حرج، والبنية التحتية لم تعد تصلح.
ما يكتب على صفحات "فيسبوك" و"تويتر" يؤشر لحالة غليان شعبي ساكن، لا يجوز أن تبقى الحكومة يوميا تثيرها وتشعل النيران حولها. وإنما عليها معالجة الاختلالات في الموازنة، ولو لمرة واحدة، بعيدا عن جيب المواطن وقدرته الشرائية.
قد يقول منافح عن الحكومة إنها عوضت محدودي الدخل عندما أقدمت على رفع أسعار حاجات أساسية للمواطن، وإن التعويض المقدم عادل لمحدودي الدخل ولا يرهقهم، وإن رفع الرسوم هو على بعض حاجيات لا علاقة لها بمحدودي الدخل.
وهذا ذر للرماد في العيون؛ فأي رفع مهما كان، وأي تعويض مهما كبر، لن يعوض محدودي الدخل تحديدا، والمواطن بشكل عام، إزاء متوالية الرفع الذي ستصيب قطاعات مختلفة تتعلق بحياة المواطن اليومية.
فرفع سعر أي سلعة كانت سينعكس على سلع أخرى. ومن قال للحكومة إن رفع أسعار المحروقات، مثلاً، لم يؤثر على أسعار الخضراوات والفواكه واللحوم والدواجن والمواد الغذائية والصحية والمواصلات والمخابز، وغيرها من عمليات إنتاج يومية المواطن بحاجة لها بشكل يومي؟ في كل الأحوال، فإن سياسات الحكومة الاقتصادية التي باتت حالة تندر متواصل من المواطن يعبر عنها في العالم الافتراضي، يمكن أن تنعكس لاحقا على السلم والأمن الاجتماعي، وخاصة في ظل اتساع الحاجة وضيق ذات اليد. فمن قال للحكومة إن تلك الأمور لن ترفع نسبة السرقات والجريمة وغيرها؟ ومن قال لها إن ما تقوم به لن يراكم غضبا شعبيا؟
قالوا سابقا، وفي باب الحكم، إن السعيد من اتعظ بغيره.
ولهذا، فإن الحكومة عليها أن تفتح عيونها جيدا، وأن تعرف أن سياسة الصبر والتحمل وشد الأحزمة التي يقوم بها المواطن، قد لا تستمر طويلا. وعليها تغيير سياستها الاقتصادية التي تقوم بالأساس على جيب المواطن، والبحث عن مناح مختلف لردم عجز الموازنة التي انهارت جراء السياسات الاقتصادية الخاطئة، والتخطيط غير السليم، والترهل المتواصل، والفساد المستشري، والاعتماد المتواصل على المعونات والهبات.
(الغد)