منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة وكثير من الأسر الأردنية في شتى بقاع الوطن تعيش مأتما يوميا، حتى نسيت همها الخاص وما هي مقبلة عليه من رفع للأسعار وانغمس الجميع في هم الأشقاء الفلسطينيين المنكوبين.عشرات الاتصالات انهالت عليّ كان آخرها من أخ عزيز تطلب مني أن أكتب عن معاناة غزة، مع أنني كتبت عنها مرات عدة منذ الأحداث الأخيرة .
مئات السيدات الأردنيات يبكين بحرقة بعد أن طارت إليهن الأخبار عن أقربائهن وأنسبائهن وأصدقائهن في القطاع المحاصر الذي قطعت عنه الكهرباء بالأمس جراء قطع إسرائيل إمدادات الوقود.
الأخبار التي بثتها الوكالات تقول إن خمسين بالمائة من أراضي غزة بلا كهرباء، وأن الخمسين بالمائة المتبقية مهددة وقد تكون الكهرباء قد انقطعت عنها الان بالفعل بعد توقف المولدين الثاني والثالث لشركة الكهرباء الفلسطينية اليتيمة في القطاع.
أربعمائة مريض في المستشفيات مهددون بالموت بعد انقطاع الكهرباء، هذا حسب ما ينقله إلي الأصدقاء من أخبار، ولا أعلم إن كان الرقم أعلى من ذلك.
لقد خرج الغزيون يبحثون عن الشموع لإضاءة ليلهم الحالك، فهل تجلب الشموع الدفء في هذا البرد القارص؟ وهل تجرى العمليات الطبية على ضوء الشموع؟ وهل تعمل الأجهزة الطبية على الشمع المسال؟
لقد توفي شاب في الخامسة والعشرين من عمره في وطننا الأردن قبل ثلاثة أيام متجمدا من الصقيع في بيته لأن أسرته لم تكن تملك إلا صوبة كاز واحدة، وهي حادثة شهد عليها صديق حميم حضر جنازة الشاب يوم الجمعة الماضي، فما هو حال مليون وربع المليون إنسان بين طفل وعجوز وشاب وامرأة في القطاع الذي لم يعد هنالك ما ينيره إلا صواريخ إسرائيل وقذائفها ولم يعد هنالك ما يدفئه إلا الأجساد الملتحمة في مشاهد الموت اليومية!
80% من سكان القطاع كانوا يعيشون تحت خط الفقر قبل حصار غزة المرعب الأخير، فما هو حالهم اليوم؟ وما هي النسبة التي يمكن الحديث عنها؟
لقد أدمن العرب والمسلمون السكوت، فخسرنا فلسطين والعراق والسودان والصومال وأفغانستان، وسنخسر لبنان وربما سوريا ولا نعلم من أيضا، فحبات المسبحة حين تكر لا يمكن أن يوقفها إلا عقد جديد يعيد لحمة أجزائها وترتيب حباتها المبعثرة، فأين هو ذلك العقد؟
سئمنا من الاستغاثة بحكام العرب والمسلمين، فهم في أحوالهم لاهون، ولذلك، فإننا نناشد الشعوب العربية والمسلمة في كل مكان أن تخرج إلى الشوارع وأن تقول كلمتها ضد الحصار وتطالب حكوماتها بإسقاطه وإجبار إسرائيل على فتح المعابر لمرور المساعدات الغذائية والدوائية وإعادة المحروقات والكهرباء إلى القطاع في فصل الشتاء البارد ليس بفعل عوامل الجو وحدها، بل بفعل قلوبنا الجوفاء التي خلت من كل إحساس بمعاناة الأهل والأحبة.
لقد أفقدتنا أحداث العراق اليومية المأساوية ومشاهد القتل البشعة المتكررة قدرتنا على التعاطف مع أي حدث مهما عظم شأنه، فارتفعت لدينا عتبة الإحساس حتى أن صاروخا لو وقع بين أقدامنا لما هز فينا شعرة.
هل خدمتنا الفضائيات؟ ربما زودتنا بالمعلومة، ولكنها قتلت فينا الإحساس، والعقل البارد لا يقدم على فعل يتطلب دفقات من العاطفة !
غزة تستغيث...صرخاتها مزقت طبقات الجو ووصلت حتى إلى المجرات الخارجية، فما بالنا قد أصابنا الصمم؟!
أطفال غزة يموتون...يقطّعون...يحاصرون...يقذفون بالقنابل والقذائف والصواريخ وتقطّع أوصالهم الصغيرة وتتناثر أشلاؤهم لتعانق ألعابهم التي تمزقت أحشاؤها كأحشائهم وتطايرت بقاياها كبقاياهم.......
مرضى غزة لا يجدون الدواء ولا الأطباء ولا الأدوات لإنقاذ حياتهم، وموتاها لا يجدون الاسمنت لدفن رفاتهم بكرامة وإنسانية سلبتها منهم إسرائيل في حياتهم وتصر على أن تسلبها ثانية في مماتهم!!
تحركي أيتها الأمة البليدة...هل متّ فندفنك ونرتاح ونوقف كل صراخ؟!!!!
تحركي أيتها الحكومات العربية والإسلامية.....فكّي الحصار عن غزة....لوّحي بما تملكين من أوراق ولو مرة....ارفعي رأسك بين الأمم ولو مرة....بادري ولو مرة....ارسمي خطة للهجوم....ليس العسكري لا سمح الله فذلك "عشم إبليس في الجنة"، اهجمي بأي من أسلحتك الأخرى الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية... ما فائدة ذلك النفط المخزون بالأطنان؟ ما جدوى تلك المليارات المكدسة في بنوك الغرب؟ ما نفع تلك العلاقات مع الكيان الصهيوني ودولة الاستكبار الأولى في العالم : أميركا؟ ألا يقول المثل: خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود؟ لقد تكاثرت قروشنا وتكاثرت معها أيامنا السوداء، ولكن تلك القروش لم توظف قط لإنقاذنا من حلكة ليالينا!