ما يزال البعض يصر على ضرب رأسه بالحائط، وإنكار أمور باتت مسلما بها أكثر من رؤية الشمس في وضح النهار، فيخرج أولئك الحالمون علينا حينا بإنكار وجود جماعات أصولية متشددة في سورية تقتل باسم الدين، وتارة بإنكار وجود ما يسمى "جهاد النكاح"، ومرة ثالثة بترديد ما يردده دعاة الفتنة والطائفية والقتل، على أمل أن يتحقق لهم ما يريدون.
المشكلة أن أولئك الغائبين عن تطورات الأحداث ما يزالون يعتقدون أن أمر الحل والعقد بيد من يزودهم بما يقولون ويكتبون، ومن يرفدهم بمعلومات مضللة، وسرق منهم القدرة على التفكير أو حتى التراجع أو حتى رؤية الحقيقة التي باتت واضحة كواضحة النهار.
أولئك ينكرون وجود جماعات أصولية متشددة لا تؤمن بالثورات ولا بالدولة، سواء أكانت الدولة مدنية أو أي شكل آخر، ولا بالحريات العامة ولا بالديمقراطية، وهذا الأمر بات حقيقة واضحة، وربما كان تصريح ما يعرف برئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا عندما; اتهم "متطرفين قدموا من خارج الحدود" بـ"سرقة الثورة"، خير دليل على ذلك.
نعم مشكلة الشعب السوري بأولئك المتطرفين المتشددين الذين يقتلون بلا محاكمة وعلى الهوية، ودون أن يرف لهم جفن، وهؤلاء، يقومون بقطع الرأس أو اليد أو القدم، وسبل الأعين، هؤلاء القتلة الذين عبروا سورية عبر الحدود وأصبحوا بعشرات الآلاف، هم أولئك من خرب سورية وعاث فيها تدميرا وقتلا بلا سبب وإنما تنفيذا لأوامر سادتهم الذين لا يريدون أن يروا حضارات ولا مدنا ضاربة في التاريخ، ويريدون تقويض كل دولة تسير نحو المدنية والاستعاضة عنها بأفكار تكفيرية تعيد الشعوب قرونا وقرونا للوراء.
المشكلة أن بيننا من ينكر ذلك، وأولئك يعيشون في حالة مجافاة للواقع ونكران لحقائق باتت واضحة أكثر من أي وقت مضى، ولكن أولئك الأشخاص باتوا يملكون من ضيق الأفق ما يجعلهم دائمي الجدل والدفاع عن واقع تغير ولكنهم لا يتغيرون لأنهم ببساطة يؤمرون فيطيعون ويلقنون فيكتبون.
فأولئك أنفسهم سبق لهم أن طبلوا وهللوا لحركة النهضة التونسية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين عندما تسلمت زمام الحكم في تونس، ولكن عندما اعترف وزير الداخلية في الحكومة عينها; لطفي بن جدو بوجود ما يعرف بجهاد النكاح في تونس انتفضوا وأنكروا ونفوا وكذبوا، لدرجة أشعرتني أن بن جدو ليس من حركة النهضة الإسلامية وإنما من الحزب الشيوعي التونسي مثلا أو محسوب على التيارات العلمانية.
ولمن يريد أن يعرف أكثر فان بن جدو الإسلامي أكد في مؤتمر صحفي ظاهرة "جهاد النكاح" وقال إن "فتيات تونسيات سافرن إلى سورية تحت مسمى (جهاد النكاح) وعدن إلى تونس حوامل من أجانب يقاتلون ضد الجيش السوري النظامي"، وقال الوزير خلال جلسة أخرى في البرلمان "فتياتنا اللاتي ذهبن إلى سورية كان يتناوب عليهن جنسيا عشرون وثلاثون ومائة مقاتل ويرجعن إلينا يحملن ثمرة الاتصالات الجنسية باسم جهاد النكاح.. ونحن ساكتون ومكتوفو الأيدي".
بعد أن قال الوزير بن جدو ما قال، اعتبر أولئك المغرر بهم أو أولئك الذين يريدون الذهاب حتى النهاية في معزوفة التضليل، أن الإعلام يفبرك الأمور ويتحدث عن قضايا غير موجودة.
بالمناسبة أولئك أنفسهم سيضطرون لتغيير موقفهم لاحقا عندما تجبر دول يعزفون ما تعزف ويرددون ما تقول لتغيير موقفها مما يحصل في سورية، وتؤمن إن المتشددين الأصوليين الذين أوسعوا سورية قتلا وتقسيما وفتنة وطائفية ومذهبية قد مدوا أيدهم تجاه الوطن السوري وهم في طريقهم لمد أيديهم لأوطان أخرى لتخريبها.
المشكلة لن يصحو البعض مما هم فيه، وستأخذهم العزة بالإثم وسيتابعون تضليلهم للعالم والرأي العام، وسيواصلون الكتابة عن جبروت النظام السوري ونقض روسيا والصين، باعتبار أن ما يحصل في سورية سببه طرف واحد فقط، وهم بذلك يزوّرون الحقائق والواقع.
(الغد)