المشهد الإعلامي العربي، لم يقدم سوى مزيد من التحريض على العنف والعنف المضاد، وهذا التعميم ينطبق على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، يضاف إليها وسائل الإعلام الجديد أو ما عرف بوسائل الاتصال الاجتماعي.
فالملاحظ أن القراءات والتحليلات الهائلة التي تقدم مكتوبة أو مسموعة، لا تفتقد في أغلب الأحيان إلى الموضوعية وحدها، بل إنها تسعى عن قصد إلى تعميم ثقافة الانقسام والقتل، وهذا ما أفرزه ما يعرف "بالربيع العربي"، حيث كشف عن عمق الخلل النفسي الذي يعتري ما تسمى النخب الثقافية، وخصوصا طبقة الإعلاميين، بمختلف تصنيفاتها.
فقد سعت إلى التحريض على فئات المجتمع المختلفة، سواء أكانت على شكل تحريض مذهبي أو طائفي أو عرقي، أو على شكل الدعوة للتدخل العسكري المباشر من قبل الغرب والولايات المتحدة الأميركية، كما حدث في الحالتين العراقية والليبية، والتحريض الإعلامي الكبير على التدخل مرة ثالثة في سورية.
هذا الفصام في التفكير يعبرعن سلوك نفساني، يرتبط بغرائز القطيع الذي يسير دون أن يعرف لماذا يذهب بهذا الاتجاه أو ذاك، لعدم قدرته على التمييز بين الغث والسمين، في سياق; الفرصة التي أتيحت له؛ لتشكيل الرأي العام الذي وجد نفسه أيضا قد أصبح; قطيعا يساق وفق هذا التوجه الغرائزي الذي تحكمه شهوة السلطة والمال، يقدمه هؤلاء الذين يتصدرون المشهد، ولذلك يبدو من الواضح أن المخرجات التي سوف يلتقطها الجمهور تعبر عن هذا السلوك الفصامي، الذي يسعى لقلب الحقائق.
وربما حتى هذه اللحظة في حدود ما أعلم، لم نسمع أو نقرأ عن دراسة تعالج صورة الربيع العربي في الإعلام مثلا، وهل كان الإعلام شريكا في التغيير إيجابيا أو سلبيا؟ وما دور الكتاب والصحفيين والمحللين في ما حدث ويحدث؟ وهل كان بعيدا عن ميوله الطائفية والعرقية والمذهبية والسياسية؟ وهل التحريض الذي يقوم به البعض يسعى لتنفيذ برامج وأجندات سياسية تخدم فكرة التحريض؟ليس سرا ان الكثيرين ممن يتعاطون مع قضايانا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يفتقدون في أحيان كثيرة للحكمة في التعاطي مع هذه المتغيرات، التي تحدث في المجتمع، ما يؤدي لخلق أزمات متتابعة تؤدي في نهاية المطاف لتفكيك أبنية المجتمع وهياكله الاجتماعية، ويقوّض السلم الاجتماعي الذي هو الضمانة الوحيدة في ظل سيادة ثقافة العنف التي أسس لها الخطاب الإعلامي، وخصوصا أمام الفضاء الالكتروني المفتوح الذي عمق هذه التجزئة.
وفي ظل هذه المتغيرات التي أدت لغياب فكرة جامعة توحد المجتمعات والأفراد، مثل أفكار الخمسينيات والستينيات التي كانت تؤكد على الأفكار الجامعة مثل القومية أو الأممية بشقيها الماركسي والإسلامي، بات المشهد العربي يدار من قبل هواة إعلام وليس من محترفين!وهذا ما أفسح المجال لهم لتنصيب أنفسهم قادة للوعي الزائف الذي أصبح يؤدي الى تعميق الخلافات في المجتمعات، ويسعى هؤلاء الى التحريض دوما على الموت، ولكن لمصلحة من يقومون بذلك؟.
(الغد)