فتحت الاحداث الاخيرة في مصر الباب على مصراعيه للحديث عن ضرورة تجديد الجماعة لخطابها وفهمها للواقع والسياسة الدولية ، أنا لا أتحدث عن الإسلام بل عن الجماعة وخطابها الفكري والسياسي ومنظومة العلاقات الداخلية للجماعة ومحيطها المحلي والدولي . لا تستطيع الجماعة العيش في عالم يتغير كل لحظة بينما هي تكرر ما قاله حسن البنا منذ أكثر من نصف قرن وبنفس الأدوات والطروحات .ما أكتبه من باب الغيرة على الجماعة التي تستحق قيادة أفضل تفهم الواقع وتدرك الممكن وتتعامل مع حقول الألغام المنتشرة في كل مكان.
يجب أن تدرك الجماعة أن الدول القُطْرية لا تبقى قطرية عند البحث في الموقف من الجماعة بل هذا شأن دولي والجميع يعرف مستوى التنسيق بين وزراء الداخلية وهو أجمل وأصدق تنسيق في بلادنا العربية . كما إن القيادة التي أفترض ظهورها في الجماعة يجب أن تكون معاصرة متصالحة مع مكونات المجتمع تدعوها للشراكة وليس الانفراد والتفرد وهذا ما أدركه الغنوشي ولم يدركه إخوان آخرون ظنوا أن الدنيا قمر وربيع !!
الإخوان بحاجة إلى تبني أطروحة سياسية تتناسب مع الواقع المعاش وهذا يتطلب إعادة النظر في البرامج الداخلية التثقيفية إذ لا يمكن الاستمرار في الحديث عن العزلة الشعورية بينما أبناء التنظيم يعيشون بين أهليهم وأقاربهم وفي أعمالهم ومع رؤسائهم الإداريين . ولماذا نفترض ملائكية أبناء التنظيم وهم بشر لهم طموحات مشروعة في الأمن والأمان والعيش الكريم الإنساني المحترم ؟ وهل تتبعنا مدى انسجام ما يتبناه أفراد التنظيم من أفكار وأساليب مع ما هو موجود في أولادهم وبناتهم ونسائهم أم هي سلسلة قاطر ومقطور؟
ونفس السؤال فيما يتعلق بأقاربهم وعشائرهم ؟ ولماذا نجد اختلافاً جوهرياً بين الأخ المسلم الذي يعيش في أوروبا وأمريكا واليابان عن ذلك الذي يعيش في البيئة العربية ؟ لماذا تظهر الإنسانية واحترام النظام والوعي السياسي الدولي بينما ابن بيئتنا العربية يحسن الشكوى والسباب والتظلم ويتقن الحديث عن الصبر والإحالة إلى الغيب بينما الآخر ينشغل بالمطلوب والعمل والإتقان ؟ إن الجماعة بحاجة إلى “ بيروستروكا “ إسلامية تنظيمية تفهم الواقع وتتحرك مع المتحركات وتمارس فن الممكن وفقه الواقع وفقه الأولويات وبهذا لن نسمع بعد اليوم نقاشاً عن المشاركة والمقاطعة ، ولن نسمع عن الشكوى وسنرى العمل الجاد في شتى المجالات ، سنرى التفاعل مع هموم الناس ، ولن نستمر في مسيرات لا تسمن ولا تغني من جوع ، لن ننشغل بالخطابة العاطفية بل سنذهب إلى الخطاب الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض كل ذلك بانطلاق من الإسلام العظيم الذي ليس فيه تفريط في شيء.
إن الجماعة في الأردن مدعوة لعقد مؤتمر خاص للمراجعة لا لتسمع نفسها بل لتسمع كل الأصوات التي ترى أن الجماعة جزء من المجتمع يجب العناية به بمن فيهم غير المسلمين والحكوميين واليساريين والصوفيين والسلفيين والمستقلين والسياسيين والإعلاميين والاكاديميين،فإن فعلت ذلك بصدق “ وليس مجرد علاقات “ففي ظني أنها ستسمع ما يفيدها ويفيد الوطن.
(الدستور)