قد لا أضيف جديدا إذا قلت إن صورة شعب ما أو بلد ما خارجها تتكون بالتراكم الذي يزرعه إعلامها وتواصلها الثقافي وما تنتجه من برامج ومسرح وسينما ودراما تلفزيونية.. الخ عبر سنوات تسمح باكتمال تشكل الصورة الحقيقية لها في أذهان الناس الناس المعنيون هنا ليسوا النخبة القليلة من رجال الأعمال الذين يسافرون إلينا كثيرا. أو الذين نروج أنفسنا لهم من أجل استقطاب الاستثمار، ولا (النخبة المثقفة) التي تعرف شيئا ما عن نخبنا من خلال الإنتاج الأدبي والفكري لدينا من مصادرها وعلاقاتها دون أن يكون للوسائل التي ذكرناها دور كبير في ذلك، الناس المعنيون هنا هم عامة الناس وأغلبيتهم أي الذين يشكلون الوجدان الجمعي الإنساني،
فما هي صورتنا عند هؤلاء وكيف تشكلت؟
بتقديري لا يمكن استقصاء هذا الأمر على حقيقته من خلال استطلاعات الرأي المدروسة والمبرمجة، ربما لأن الاستطلاع الخاضع للقوانين الإعلامية يتعامل غالبا مع جمهور انتقائي لا يعكس حقيقة الصورة، هذا إذا افترضنا أصلا أنه استطلاع محايد،
إن التعامل اليومي بين الجاليات المختلفة في بلاد كالبلدان الخليجية يمكن أن يعطي الجانب الأكبر من الصورة، ذلك أنها ترتسم على طبيعتها دون أن يكون هناك غرض، فهي تتشكل بتلقائية من خلال ما يواجه به الأردني (مثلا) من أسئلة يوجهها الآخرون.
وتاليا بعض من الأسئلة التي وجهت لي مئات المرات عبر سنوات إقامتي في الإمارات، أنقلها بحياد وأمانة لعلها تضيء شيئا من مواطن الخلل في الصورة.
1- كل من تعرفت إليهم من العرب الآخرين ومن الأرادنة بل وحتى سائقي التاكسي من الآسيويين سألوني ما إذا كنت أردنيا أردنيا أم أردنيا من أصل فلسطيني، ودائما عندما أسألهم عن سبب السؤال يجيبون بأن الحالات التي سبقتني كانت معنية بمثل هذا التفصيل. وأنهم دائما كانوا يتلقون إحدى إجابتين، أردني من أصل فلسطيني، أو فلسطيني بجواز أردني، بعضهم قال إن أحد من سألهم عن بلده أخبره أنه أردني من أبخازيا
2- عبثا أحاول إقناعهم أن هذا الأمر لا يعنيني لأن الأردن واحد موحد، وعندما أجيب بأنني أردني جنوبي أواجه بما هو أنكى وأمر.. من مثل:
- لماذا اسمك لا يدل على ذلك؟ فأنت عاطف.. ولست صطوف ولا صفوق ولا مخلد أو جزاع أو فنخور أو ذياب.. أو جويعد الخ فأضطر لإخبارهم أن البدو لديهم أسماء كثيرة من مثل باسم وزياد وتوفيق..
- كم غديرا في بلدك؟ وهل صحيح أن عدد (الغدران ) بنصف عدد العشاق؟ وأن كل عاشقين يتواعدان عند غديرهما في موعد سقاية الفرس؟
- ما هي أصناف البعارين في الأردن وما سلالاتها وما مستوى أسعارها؟ وهل دخلت البعارين الأسترالية إلى الأردن كما دخلت بلاد الخليج العربي؟ وما دامت البعارين تظهر بكثرة في الفيديو كليب الأردني وفي برامج الترويج السياحي فلماذا لا نشهد سباقات هجن أردنية على غرار تلك الخليجية؟
3- أبو علي رجل يمني أعرفه معرفة ( مصعد العمارة) هذا نوع من العلاقات غير شائع في الأردن.. إذ إنك لا تلتقي الشخص إلا في المصعد.. المهم أن أبا علي اكتشف أنني جنوبي بعد عام ونصف من الجيرة.. ففاجأني يوما بقوله: ما كنت أظنك (بدوي) فاستغربت وسألته لماذا ؟ فقال: أنت ما تقول ( يا الاخو)
وغير ذلك الكثير مما لا تحتمله مقالة.
هذه صورتنا.. أو على الأقل التي رأيتها، كيف تجمعت أجزاؤها؟ ومن المسؤول عن تشوهها؟ وكم من زمان سيلزمنا كي نعيد تصحيحها ؟