لولا أنني عرفتها ، ولولا أنني استخدمتها ، ولولا أنني أنجزت حاجات كثيرة فيها ، لما صدقت أنها موجودة.
دكان صغيرة لا تتعدى مساحتها سبع أمتار مربعة ، يديرها شاب وزوجته لا يتجاوز عمر الواحد منهما ثلاثين عاما ، تقع في أحد أطراف قرية يارنتون Yarnton في ضواحي مدينة أوكسفورد، وعدد سكانها حوالي ألف وثلاثماية مواطن. فماذا ينجز فيها ؟
هي مكتب بريد ترسل منه الرسائل والبرقيات والطرود ، وتوزع منه الرسائل والبرقيات والطرود على جميع سكان القرية ؛
وهي مكتب تجديد رخصة السيارة ، فبعد الحصول على شهادة فحص السيارة ، تقدم إلى مدير المكتب ، وتدفع له الرسوم ، فيصدر تجديد رخصة السيارة.
وهي مكتب تجديد رخصة السوق. يحصل المواطن على نموذج ، يدون فيه جميع معلومات رخصته ، وشهادة الطبيب بأنه بصحة جيدة ، يرسلها مدير المكتب إلى إدارة ترخيص السواقين ، فتصدر الرخصة الجديدة خلال اسبوع تقريبا ، وترسل إلى صاحبها بواسطة البريد العادي. في النموذج نص يوقعه المواطن يقول: " أعترف أن كل ما كتبته في هذا النموذج صحيح ، وأن أي خطأ أو معلومات غير صحيحة تعرضني للعقوبة المنصوص عليها في القانون."
وهي مكتب تجديد رخصة التلفزيون السنوية؛
وهي مكتب دفع فواتير الهاتف ، والكهرباء ، والماء ؛
وهي مكتب استلام رواتب التقاعد ، وبدل البطالة ، والتأمين الوطني ؛
وهي مكتب دفع الضرائب ؛
وهي دكان صغيرة يشتري فيها المواطن لوازم الكتابة من ورق ومغلفات وما شابه ، والصحف اليومية ، والحلوى ، وغير ذلك من الأشياء الصغيرة؛
وتجد فيها حاسوب مرتبط بالإنترنيت ، وجهاز هاتف ؛
وتجد فيها آلة نسخ وتصوير الأوراق الرسمية والخاصة.
خلال وجودي في مدينة أوكسفورد في عام 1987 ألغت الحكومة العمال البريطانية مئات من هذه المكاتب الدكاكين واحتج جميع سكان القرية ، مثل بقية القرى التي حرمت من تلك الخدمات السهلة اليسيرة الممتازة ، فاضطرت الحكومة إلى إعادة فتحها.
من تلك الدكان يستطيع المواطن ساكن تلك القرية أن يتصل مع أية مدينة في العالم ، أن يستخدم الهاتف أو اللاسلكي أو الإنترنيت إليها ؛ أن ينجز المعاملات الرئيسة التي تؤثر على حياته خلال دقائق قليلة وبكلفة لا تكاد تذكر ؛ وبذلك ينقذ المال ، والوقت ، والجهد ، من الهدر المألوف الذي اعتدنا نحن عليه.
ترى أما آن الأوان لكي نتخذ قرارات حاسمة لقيام لا مركزية تنقذنا من المركزية المعوقة ، غير الضرورية ، المؤذية للحياة الوطنية . نحن لا نطالب بعولمة القرى الأردنية ؛ كل ما نطلبه هو أردنتها الوطنية من أم قيس حتى الديسة والطويسة. سواء في دكاكين خاصة أو في مكتب من مكاتب البلدية في كل قريه وهي الأفضل للوطن الحبيب والمواطنين.