برلمانيون على قلب رجل واحد!
حسن الشوبكي
28-09-2013 03:56 AM
من منّا لا يتذكر الحملات الانتخابية وما أنفق عليها، وكذلك الأموال التي دُفعت في جريمة شراء الأصوات من قبل مرشحين في الانتخابات النيابية الأخيرة؛ وبما يشير إلى ارتفاع منسوب القدرة المالية لهؤلاء المرشحين، وبينهم من وصل إلى البرلمان! ومن ثم، فما لا يمكن تصديقه أن يكون أعضاء مجلس النواب السابع عشر بحاجة "ماسة" إلى تحسين أوضاعهم المالية في ظل واقع اقتصادي هزيل لا ينكره أحد.
على الجهة المقابلة، ثمة شعب غارق في الديون! فمديونية البلاد تخطت الحدود الآمنة، وبلغت 17.5 مليار دينار. ومن المفترض أن يشكل تجاوز هذه المديونية ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي، مصدر رعب لكل الأردنيين، بمن فيهم النخبة السياسية. هذا ناهيك عن تجاوز حجم مطالبات البنوك في المملكة من القطاعين العام والخاص، مبلغ 26.5 مليار دينار. أي إن الشعب بأكمله، ومثله المؤسسات، غارقة في الديون.
الامتيازات التي منحها النواب لأنفسهم عبر قانون التقاعد المدني، بمضاعفة رواتبهم التقاعدية إلى 3 آلاف دينار عبر الجمع بين الراتب التقاعدي والراتب الحالي من عضوية البرلمان، تقع في تقديري ضمن مساحة إنكار الوضع المالي الحقيقي لخزينة الدولة.
وإذا كانت "العدالة" أو "المساواة مع الوزراء" هي الهاجس فيما ذهب إليه النواب، فإن المنطق كان يقضي بخفض الراتب التقاعدي للوزير إلى ألفي دينار، ورفع راتب التقاعد للنائب إلى ذات الرقم بدل 1500 دينار.
أما الإقرار بما انتهت إليه دورة مجلس النواب الأخيرة في هذا الشأن، فيعني أن رجال التشريع والرقابة في البلاد يتصرفون بمنأى عن أزمات الاقتصاد، مع العلم أن المواطن هو من سيدفع في نهاية الأمر رواتبهم التقاعدية!إذا عدنا إلى الوراء ثلاث سنوات، فإن الحكومة حظرت آنذاك -في غياب البرلمان- التقاعد على أعضاء السلطة التشريعية. فما الذي تغير اليوم على مستوى قدرات الدولة المالية والاقتصادية لكي يتصرف النواب على هذا النحو المترف، مقارنة بمديونية عامة ثقيلة جدا؟كلفة الجمع بين الراتبين للنواب والأعيان تصل إلى حوالي 50 مليون دينار سنوياً، كما أكد رئيس الوزراء؛ ولا يعلم أحد من أين ستتم تغطيتها! وبدل الغرق في بحر الامتيازات، ينتظر الشارع الأردني من النخبة التي تمثله وتحكمه أفكارا خلاقة تساعد في انتشاله من مستنقع المديونية، لا زيادة تشوهات الاقتصاد التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم!لا تبدو أحوال النخبة العربية جيدة أينما جالت العين. ففي العراق مثلاً، يبلغ مجموع رواتب البرلمانيين 32 مليون دولار سنوياً، ما دفع الشارع إلى التظاهر ضدهم على امتداد الأسابيع الماضية، هذا في الوقت الذي لا يحظى فيه العراقيون بالأمن، ولا يتمتعون بأي خدمات حقيقية في ظل انقطاع الكهرباء، وتردي الحالة المعيشية، وتفشي الفساد.
وإذا كان الشارع الأردني ومثله العراقي مدفوعين إلى القول: لا، في وجه رجال التشريع والرقابة بسبب ترف ما يفعلون، فلمن سيشكوان الظلم الواقع عليهما؟يتلكأ النواب في الأردن ودول عربية أخرى حيال قوانين عديدة ذات صلة بتحسين شروط حياة الشعوب التي تئن تحت ظروف اقتصادية بائسة، لكنهم يتكاتفون ويصبحون على قلب رجل واحد إذا كان الأمر متعلقا بامتيازاتهم المالية الشخصية! والأمر برمته يعبر عن اغتراب تمر فيه النخبة في المنطقة العربية، سيقود إلى مزيد من الفشل، وبحيث تكون النخبة ذاتها سببا في أزماتنا المالية الاقتصادية؛ فمن أين ستأتي الحلول؟
(الغد)