بقية الملاحظات القانونية التي تخص فصل النائب
د.عادل الحياري
26-09-2013 03:20 AM
أولاً: الترشّح للانتخابات التكميلية: تساءل البعض حول ما إذا كان بإمكان النائب المفصول أن يترشح في الانتخابات التكميلية القادمة.
والجواب على ذلك قطعاً بالنفي، إذ لا يحق للنائب المفصول أن يترشح لتلك الانتخابات، لأن قرار الفصل جاء لينهي علاقة ذلك النائب بمجلس النواب طوال مدة المجلس السابع عشر. ويدلل على ذلك بما يلي:
1- أن مدلول الفصل وغايته، وكذلك تفسير المادة 90 من الدستور، وهي المادة التي تنص على الفصل، كلّ ذلك يصبّ في أن الفصل يعني إنهاء علاقة النائب بالمجلس للمدة الباقية من عمر المجلس، ولو أراد المشرع الدستوري غير ذلك، لنص على ذلك.
2- عقوبة الفصل التي منحها الدستور لمجلس النواب، هي أشدّ عقوبة تأديبية، والقول بالسماح للنائب المفصول أن يعود للنيابة من خلال الانتخابات التكميلية، هو إفراغ للعقوبة من مضمونها. وهذا الأمر لم يقصده المشرع الدستوري.
3- إن القول بالسماح لعودة النائب من خلال هذا الطريق، معناه أن عقوبته أصبحت -إذا ما فاز بالانتخابات- أخفَّ من تلك العقوبة التي طُبِّقت على زميله، وهي تعليق العضوية مدة سنة، مع أن الزميل لم يرتكب مخالفة مسلكية بجسامة تلك المخالفة التي ارتكبها النائب المفصول. وفي ذلك تناقض غير مقبول في لغة القانون.
4- أخيراً أن سبب إجراء الانتخابات التكميلية، هو استبدال النائب المفصول بنائب جديد. وليس من المنطقي ولا من المعقول أن يكون النائب الجديد هو نفس النائب المفصول، إن القول بذلك معناه أن الفصل وكذلك الانتخابات التكميلية كان من قبيل العبث، كما يتعارض ذلك مع جوهر النظام التأديبي الذي يهدف إلى الردع والإصلاح.
ثانياً: الترشُّح لانتخابات المجلس الثامن عشر: يقوم التساؤل حول مدى أحقية النائب المفصول، بالترشّح لنيل عضوية المجلس الثامن عشر.
وفي هذه المسألة نقول أن النائب المفصول يحق له الترشُّح لتلك الانتخابات إذا ما توافرت الشروط التي تطلَّبتها المادة 75 من الدستور التي نصت على أنه لا يحق الترشّح، لمن لم يكن أردنياً، أو يحمل جنسية أخرى، أو محكوما عليه بالإفلاس أو محجورا عليه أو مجنونا أو معتوها، أو كان من أقارب الملك أو «من كان محكوماً عليه بالسجن مدة تزيد عن سنة واحدة بجريمة غير سياسية ولم يُعف عنه».
وعليه إذا ما ابتعدت هذه المحظورات جميعاً عن النائب المفصول، جاز له الترشُّح لنيل النيابة. والذي يمكن أن يقف حائلاً دون إمكانية الترشُّح، هو الحكم الذي سيصدر عن المحكمة الجزائية.
وكما هو معروف فإن هناك قضية جزائية ضد النائب المفصول، وعلى ضوء القرار الذي سيصدر من المحكمة، سيتقرر وضع النائب المفصول، سلباً أو إيجاباً. فإذا حكم بالسجن مدة تزيد عن سنة واحدة -وما يسند إليه هي جريمة غير سياسية- ولم يعف عنه، فإن ذلك يحول دون إمكانية الترشّح طبقاً للدستور.
أما إذا حُكم بمدة تقل عن السنة، أو حُكم بمدة تزيد عن مدة السنة، ولكن تمَّ صدور عفو عنه، فإن ذلك يعطيه الحق بالترشّح.
ثالثاً: الملاءمة بين المخالفة والعقوبة: أبدى بعض القانونيين، أنه كان على مجلس النواب، أن يتريَّث في إصدار العقوبة التأديبية بحق النائب المفصول، حتى يتمَّ فصل القضية الجزائية من قبل المحكمة، وفي ضوء ذلك يتمّ تقدير العقوبة التأديبية.
والواقع أن الفعل المرتكب من قبل النائب، نتج عنه قضيتان منفصلتان، قضية جزائية تنظرها المحاكم، ومخالفة مسلكية ينظرها مجلس النواب. وقد ينجم عن نفس الفعل، قضية مدنية للمطالبة بالتعويض. وهو حق لكل من لحقت به أضرار، من جراء ذلك الفعل، بما في ذلك مجلس النواب الذي يمثله المحامي العام.
وفيما يتعلق بالقضية التأديبية، فالمطلوب هو توافر مبدأ شرعية الجزاء التأديبي، وهذا المبدأ يعني أنه لا يجوز للسلطة التأديبية أن توقع على مرتكب المخالفة التأديبية جزاءً لم يقرر تشريعياً. وفي هذه القضية، قررت المادة 90 من الدستور الجزاء التشريعي وهو الفصل.
بقيت مسألة الملاءمة بين المخالفة المرتكبة والعقوبة الموقعة، أي وجوب أن يكون الجزاء متناسباً مع الذنب.
وفي هذا السياق يُذكر أن نظام التأديب يختلف عن نظام العقوبات الجزائية، فالقاعدة القانونية التي تحكم قانون العقوبات تقضي بأن «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص». بمعنى أن هناك عقوبة لكل جريمة. ولكن نظام التأديب أخذ بقاعدة «لا عقوبة إلا بنص»، لأنه لم يحدد المخالفات، والسبب في ذلك أن تحديد المخالفات التأديبية أمر يستعصي على التشريع، نظراً للتطور المتسارع للحياة. لذلك لم تحدد الدول المخالفات التأديبية حصراً، بل أخذت بمفهوم واسع، بحيث يمتدّ ليشمل كافة المخالفات التي يرتكبها الموظف باعتباره موظفاً.
إزاء هذا الوضع يظهر مبدأ لزوم تناسب العقوبة -المذكورة حصراً- مع المخالفة المرتكبة -غير المحصورة- وهناك يقع عبء اختيار العقوبة التي تتناسب مع المخالفة المرتكبة، على السلطة التي توقّع العقاب، وهو في هذه الحالة مجلس النواب.
لكن صلاحية المجلس ليست مطلقة في هذا الشأن، بل تخضع لرقابة القضاء الإداري.
وفي مصر أبطل القضاء الإداري بعض القرارات التأديبية، نظراً لعدم تناسب الجزاء مع المخالفة. وقد جرى الإبطال نظراً للإفراط في شدّة الجزاء التأديبي، كما جرى الإبطال للإفراط في اللِّين.
مثال على الإلغاء للإفراط في الشدّة، قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية قائلة، «لما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على وجوب تناسب الجزاء مع جسامة المخالفة المرتكبة -بحيث لا يكون الجزاء مغالياً في الشدّة ولا مسرفاً في اللِّين- مما يقتضي معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من فصل الطاعن من الخدمة، والاكتفاء بمجازاته بخفض وظيفته إلى الدرجة الأدنى».
وللملاحظات بقية.
(الرأي)