تنمية المحافظات واقع وتطلعات
سالم مفرح الحجايا
25-09-2013 04:45 PM
مبادرة جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم وتوجيهاته السامية للحكومة بتنمية المحافظات جاءت ضمن مبادرات المختلفة تسعى الى تحقيق العدالة الاجتماعية والتي بدونها لا يستوي الأمر, حيث أن تساوي الفرص وتنوع الإنتاج يخلق أفاق أوسع من الاقتصاد والازدهار وتخفيف الاعتماد على الإدارة المركزية.
وقد ساهمت السياسات الحكومية السابقة بتهميش دور المحافظات بمقابل دعم العاصمة والاهتمام بها وهذا الوضع يفسر لنا كيف أصبحت عمان ثالث أغلى مدينة عربيه ! (وفق مقياس بريطاني معتمد يسمى (ica ) ) إذا ما أضفنا إلى ذلك بطالة مستفحلة في صفوف الشباب، وفقر يحتل يوميا مساحات إضافية من أريافنا وبوادينا، وفرق واسع بمستوى المعيشة بين العاصمة والمحافظات ضمن مستوى أجور يقل عن 500 دينار ل 90% من الأردنيين!.
وبسبب الانحياز في التشريعات الاقتصادية لصالح المستثمر وعدم فعالية نظامنا الضريبي بتهرب يزيد على مليار دينار سنويا، وأخطاء إستراتيجية عديدة ترسخت في وجدان عامة الناس، يكون المشهد قد اتضح تماما، وتحددت أسباب مأزقنا الاقتصادي الاجتماعي المركب, بل وأسباب لحمة مجتمعيه تكاد أن تتآكل تماما.
في كل دول العالم المتقدم يعتمدون على كل منطقة تساهم في الارتقاء بالاقتصاد فتجد أكثر من مدينة متطورة تكون الشريان الذي يغذي الدولة سواء زراعيا أو صناعيا أو علميا، ففي الأردن التنوع موجود في الإنتاج على شحها فالمناطق الزراعية اصبحت تتقلص شيئا فشيئا على حساب المباني السكنية بعدما كنا نصدر القمح لبريطانيا العظمى بتنا من أوائل المستوردين له، وهذا بسبب عدم وجود خطة جادة من الحكومة للنهوض بهذا القطاع الهام الأمر الذي أدى إلى عزوف المواطنين عن الزراعة وتربية المواشي, في حين أن دولا عالمية تستغل الإنتاج الزراعي والحيواني بحيث يكون دخلها شبيه بدخل الدول البترولية.
كذلك الأمر في القطاع الصناعي حيث لا يوجد استغلال جيد لهذا القطاع على المستوى الضريبي وعلى المستوى التنموي ويبدو لي نموذج فشل الإدارة التنموية الإستراتيجية واضحا وجليا في لواء القطرانة الذي يشكل ثلث مساحة محافظة الكرك ويحتوي على العديد من الخامات الثمينة مثل الفوسفات والصخر الزيتي واليورانيوم وخامات الاسمنت وحوض مائي يضاهي حوض مياه الديسي وموقع متوسط يتميز بتوفر المواصلات عبر الطريق الصحراوي ومرور خط الغاز السائل المصري وخط الكهرباء الوطنية وغيرها من الميزات الطبيعية التي حبا الله بها اللواء بالفطرة دون توجيه الحكومة أو تخطيطها، وبالرغم من ضمه للعديد من الشركات الصناعية مثل الشركة الوطنية للدواجن وشركة اسمنت القطرانة والمحطة المركزية للكهرباء ومنجم الوادي الأبيض للفوسفات وشركة الأسمدة, والعديد من الكسارات والمصانع المتوسطة فكل هذه الشركات وحجم الاستثمار الكبير والمبشر الذي كنا نتفاءل به خيرا مع ما سمعناه من تنظير حكومي عن دعم المناطق التنموية ومعالجة جيوب الفقر وتوفير الخدمات والشراكة إلى آخرة من تنظير إلا أن ألواء أصبح بيئة طاردة للسكان الذين باتوا يهجرونة بسبب الأثر البيئي مع اتساع جيوب الفقر والبطالة والتهميش ونقص الخدمات بالإضافة إلى تلوث الحوض المائي جراء مخلفات المصانع واستنزاف مورد الأرض من خامات ومعادن دون وجود جدوى اقتصادية للخزينة أو فائدة تنموية تنموية للمنطقة تذكر.
وهنا لابد من الحكومة وقفة جادة وإعادة تقييم كلي لما جرى في هذا ألواء الذي هو نموذجا للعديد من الألوية في المملكة، ولا بد من إعادة دراسة بعض التشريعات التي تتعلق باستحداث شركات وشروط ترخيصها في مثل هذه المناطق تتضمن إلزام قانوني واضح بعدد العمالة والتشغيل من أبناء اللواء ضمن نسبة واضحة نصا بالقانون وليست تعليمات تذهب مع هبوب الريح، كذلك تقييم حجم العائد المالي لمنطقة التعدين ضمن حسبة أوليه تكون لتنمية البنى التحتية في مركز اللواء نسبة منها بنص القانون تذهب لصالح مشاريع بنى تحتية ومشاريع تحافظ على البيئة الاستثمارية وديمومتها، وتكون النسبة المخصصة للتنمية المحلية إما من رأس المال أو من الإنتاج، خاصة أن جميع المشاريع في اللواء لم تأتي إلا طمعا في سلب مخزون المنطقة من خامات ومعادن نادرة غير متجددة وليس كما يعتقد البعض أنها بتوجيه حكومي ضمن ما يسمى بالأجندات الوطنية والتنظير واللقاءات والندوات.
فما زال لواء القطرانة يعني من إهمال حكومي ولا توجد به أي تنمية موجهة من هذه الشركات أو أي توجيه رسمي في ظل هدر كبير لموارده الثمينة الغير متجددة لصالح جيب المستثمر ضمن فرصة نادرة لا يجدها في أي دولة في العالم ففي جميع دول العالم تدفع الشركات أثمان باهظة لهذه الموارد الغير متجددة وأثمان باهظة لمعاجلة مخلفاتها البيئة، والطريف بالأمر حجم الإعفاءات الضريبية الهائل الذي تتمتع بها هذه الشركات ضمن قانون لا يميز بين الصناعات التحويلية التي تعتمد على المواد الخام النادرة الغير متجددة وبين الصناعات الإنتاجية.
فمنطقة مثل القطرانة بحاجة ماسة وعاجلة إلى مركز تدريب مهني متخصص وإلزام الشركات بنسبة واضحة من العمالة المحلية المستقرة ضمن أجور تشجيعية، ونسبة واضحة من الأرباح تخصص لتطوير البنية التحتية ومؤسسات المجتمع المدني وما يسهم بتطوير المنطقة وسكانها، وتخصيص نسبة ثابتة لمعالجة الأثر البيئي من خلال المساهمة بشبكة صرف صحي لإنقاذ الحوض المائي الموجود وزراعة الأشجار وإنشاء الحدائق العامة وغيرها من الأمور التي تساهم أيضا بالنهوض بالبيئة الاستثمارية ويسهم في جذب المستثمرين واستقطابهم ضمن بيئة صناعية مجتمعية متكاملة.
فالأردن بموقعه الإستراتيجي والحيوي بين دول المنطقة يشكل بيئة جاذبة للاستثمارات من شماله إلى جنوبه خاصة في المشاريع الحيوية والصناعية كالفوسفات والبوتاس والاسمنت والصخر الزيتي واليورانيوم وخط البترول المشترك مع العراق وناقل البحرين كلها مشاريع ضخمة تحتاج إلى تأهيل العديد من أبناء الوطن للعمل والتطوير وتحقيق النهضة والاعتماد على النفس، كل هذا لا يتحقق من دون الاهتمام بالتعليم والارتقاء بمخرجاته والاهتمام بالأثر البيئي والعمل بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لإيجاد الحلول للمشاكل التي تواجه هذا التطور مستقبلا وان نعيد ترتيب أولويتنا في أيجاد جيل مؤهل ومدرب بأعلى المواصفات ليكون قادر على ترجمة تطلعات الدولة الأردنية.
منطقة القطرانة كالعديد من مناطق المملكة حبها الله بخامات نادرة لا جميل لمخلوق أو أجندات عليها فإذا انتهت في ظل الاستنزاف الجائر لها سيذهب المستثمر ولكن سيأخذ معه من تبقى من السكان وتصبح عبارة عن قرى مهجورة لا تصلح للحيوانات كتلك التي خلفتها مصانع الحرب العالمية الثانية.
* عضو استشاري محافظة الكرك.