الحكومات تغيرت .. هل تغير المجتمع؟
جمانة غنيمات
25-09-2013 03:57 AM
كانت عمان، على مدى عقود، ملاذا لأبناء المحافظات؛ للتعلم، والحصول على فرص عمل في مواجهة مشكلة ضعف التشغيل في المحافظات.
وعلى مدى تلك الفترة، طُرحت أفكار كثيرة للمساعدة على توطين أبناء المحافظات في أماكن سكناهم، لكن بدون نتيجة تذكر. فظلت فجوة التنمية واستعصاء التشغيل مشكلة تتسع، وبحيث أمست شعارا سياسيا يرفعه الإصلاحيون؛ بالدعوة إلى تقليص فجوة التنمية بين العاصمة وخارجها.
معظم الطروحات الرسمية تحدثت عن إنشاء مشاريع إنتاجية خارج عمان، تحول دون تركز النشاط الاقتصادي، وتبقي على توزيع الكثافة السكانية بشكل سليم. لكن النتيجة الماثلة اليوم مأساوية! وكثير من المشاريع في المحافظات تحكي قصص فشل التنمية.
المهم، كبرت كرة الثلج، وجاءت لحظة الحقيقة التي كشفت أن كل حديث التنمية هو مجرد شعارات تعرضها الحكومات في بيانات الثقة لا غير.
اليوم، ما يزال التحدي نفسه ماثلا، إنما مع فارق مهم، يتمثل في أن عمان لم تعد قادرة على استيعاب العدد المتزايد من طالبي العمل، وعددهم السنوي يفوق 60 ألفا. يعمق ذلك ضعف النشاط الاقتصادي، وتراجع النمو، وتدني قدرة الاقتصاد بكل قطاعاته على توليد فرص العمل. وفاقم الوضع سوءا ارتفاع تكاليف المعيشة، بعد أن أضحت عمان واحدة من أغلى العواصم العربية.
الحكومة الحالية، وعلى لسان وزير التخطيط والتعاون الدولي إبراهيم سيف، تدرك حجم المشكلة، وتعترف أن الحل ليس سهلا، وأن المشوار طويل؛ يحتاج، إلى جانب المال، تغيير العقلية الرسمية والشعبية، للتأسيس لمرحلة جديدة من العمل التنموي.
في الماضي، كان الفشل حكوميا، لكن ليس كله؛ فثمة أسباب تتعلق بعقلية المجتمع نفسه، والتي لا ذنب له فيها، كونها نتاج نهج اقتصادي طبقته الدولة لعقود، وقام على علاقة رعوية قتلت الإبداع والمبادرة، ولم تبق من العمل الأهلي شيئا؛ فتجد المجتمع متكئا على الحكومة في كل تفاصيل حياته، منتظرا منها كل الحلول!ما حدث في السنوات القليلة الماضية هو أن الحكومات تغيرت، وأعلنت غير مرة أن بقاء المعادلة ذاتها غير ممكن؛ فالقطاع العام بعد كل الترهل والتضخم لم يعد قادرا على التوظيف، حتى لو رغبت الحكومات في ذلك.
المأزق الكبير أن تغير النهج لم يتزامن مع تغير مجتمعي؛ فظل المواطن بذات العقلية. ووسع هذا الاختلاف الفجوة بين الطرفين. فالظروف فرضت نفسها على الحكومات حتى تتغير، لكن هذا التحول لم يطل تطلعات الأردني الذي ما يزال يحلم بالوظيفة العامة كملاذ يوفر له الشعور بالأمان الوظيفي.
الحكومة الحالية أعلنت عن برنامج طموح لتنمية المحافظات. ويدور الحديث عن 7 مليارات دينار، تُنفق على قطاعات تساعد على تهيئة البنية التحتية، وتوفير التدريب المطلوب، لجلب الاستثمارات إلى خارج عمان.
الفكرة ليست جديدة، وثمة برامج كثيرة أُعلنت ونُفذت لهذه الغاية. لكن أموالها ذهبت بدون أن تحدث فرقا؛ فلم تحسن حياة الناس الذين ما يزالون ينظرون للحكومة كولي أمر مسؤول عن كل كبيرة وصغيرة في حياتهم.
حتى تنجح الفكرة هذه المرة، ونقطف ثمار الإنفاق الحكومي، لا بد من العمل بأكثر من اتجاه؛ أهمها عدم توجيه الأموال تبعا لرغبات المجتمعات المحلية، بحيث تجد الحكومة في نهاية الطريق أنها أنفقت المخصصات على مشاريع لا علاقة لها بالتنمية، ولم تساعد على توفير بيئات تشجع على إنشاء الاستثمارات خارج عمان.
لدينا الكثير من المستشفيات، والمدارس والمراكز الصحية، ومراكز الشباب، وآلاف الأميال من الطرق.. لكنها لم تفرش الأرض حريرا للشباب الباحث عن العمل.
أمام الدولة اليوم تحدٍ كبير هو المحافظات وتنميتها، لما لذلك من دور في تحسين المزاج "المضروب" في تلك المناطق، نتيجة الشعور بالخذلان والتخلي عن أهلها، فهل تستعيدون الثقة؟
(الغد)