الاعتدال .. مناورة وترويج!
طارق مصاروة
25-09-2013 03:32 AM
أكثر الناس يعتقدون أن الاعتدال هو قرار يأخذه رأس الدولة أو الحكومة أو مجلس النواب. أو أنه في أقرب تفسيراته مناورة يلجأ لها الحاكم في تعامله مع الناس، أو تلجأ لها الدول حين تشعر أنها مهددة، أو تقاوم بها ضغوط دول أقوى!
والاعتدال هذه الصفة التي ترتبط بالديمقراطية، وترتبط بالوسطية في فهم الدين، وترتبط بفلسفة التصالح مع النفس ومع العالم،.. الاعتدال هو أبعد الناس عن منطقتنا التي أصبحت مسرحاً للتطرف السياسي، والتطرف الديني، والتطرف الفكري.
وذلك دون تفهم حجم الانحدار الثقافي والحضاري الذي وصلت إليه!
وحتى لا تبقى طروحاتنا معلقة في الفضاء النظري تأخذ حالة الاعتدال التي يحاول بها الحكم في طهران أن يسوّق انتقاله من التطرف، ومحو الأُمم من الخارطة - ليس إسرائيل فقط - والصواريخ التي تصل إلى ألفي كيلو متر، وتعزيز نشاطاته النووية العسكرية.. إلى حالة من الاعتدال. فلا يستمر في شعارات الشارع التي انتقلت إلى الخطب الرسمية.. الموت لأميركا ولا يهدد جيرانه، ولا يسلّح ويموّل قوى إرهابية تغتال وتنسف وتدمر.
وتسويق طهران لحالة الاعتدال، اختارت لها مسرح الجمعية العامة للأمم المتحدة. واختارت لها العدو الأول: الولايات المتحدة. وتوسلت بهذا الاعتدال إلى التلويح باستعدادها للوساطة في الأزمة السورية.
أما رصد حركة الاعتدال هذه فنفهم منها:
- أن النظام اطلق سراح 300 من سجناء الرأي.
- وأنه نقل السيطرة على البرنامج النووي إلى وزارة الخارجية.
- وأنه مستعد للوصول إلى تسوية مع الدول الخمس الكبرى + ألمانيا في شأن التخصيب لليورانيوم الذي أصبح الآن يتوزع في أكثر من مركز.. بعضها فوق الأرض وبعضها تحت الأرض.
- وأن الرئيس الجديد روحاني مستعد للالتقاء بالرئيس أوباما، والوصول معه إلى حلول مُرضية في اطار الاحترام المتبادل!
هذا الهجوم الدعائي الإيراني قد يكون ناتجاً عن كل هذه الصعوبات التي يواجهها داخلياً وخارجياً.. وقد يكون له طعم العمل الدبلوماسي ورائحته لكنه قطعاً ليس.. الاعتدال!
ونقول: استعداد طهران لحل في قضية تخصيب اليورانيوم، ليس جديداً.
فقد أوقفت طهران عمليات التخصيب عام 1993 تعزيزاً لقبولها الغزو الأميركي للعراق، وقبولها لحجم التدمير الذي استهدفه وكانت كاميرات لجنة الطاقة الدولية تعمل، وكان المفتشون يذهبون إلى طهران ويعودون منها!
لكن إعلان استعداد طهران «للتوسط» في الأزمة السورية.. فكبيرة، ولا علاقة لها حتى بالمناورة السياسية. فهي مجرد بروبوغندا. لأن إيران هي:
- الجزء الأخطر في الأزمة بانفاقها على متطلبات النظام السوري التسليحية، وتحشيدها لعشرات آلاف المناصرين من لبنان ومن العراق ومن قوات الحرس الإيراني ذاتها.
- ونقول إيران هي الجزء الأخطر في الأزمة، لأن تدخلها الفجّ في القتال الداخلي هو الذي اخرجها من حدودها السورية ليصبح البلد المسكين مباءة لآلاف الحاملين راية القاعدة السوداء.
والمجرمين الذين يقومون بتشويه وجه الثورة والثوار في سوريا.. خدمة لنظام يريد تخيير الناس بين الديكتاتورية والحكم المافياوي، وبين إرهاب القاعدة. وكأنه ليس في سوريا سوى نظام الطاغية، أو قطعان القاعدة!
اعتدال إيران كما تطرفها. ليس أكثر من بروبوغاندا تنمو إلى حدِّ المناورة، أو المناورة التي تنتهي بالبروبوغندا!!. فالأساس هو حكم رجال الدين ولا شيء غيره!
(الرأي)