بعد انتظار طويل ومضن، وتمنيات وصلت حد التضرع بأن تمر الأيام بسرعة، حلت نهاية الشهر أخيراً، واستلم أبو محمد راتبه، مستعدا لإنفاقه على الأوليات المحددة بحسبة سريعة، تدور في رأسه آخر كل شهر.
وجهته الأولى كانت السوبرماركت القريبة من بيته؛ حيث اشترى لحما ودجاجا وخبزا، وأجبانا وألبانا، وأرزا وسكرا، وحفاضات للأطفال، ومواد تنظيف.. وأشياء أخرى كانت قد أمضت زوجته أكثر من أسبوعين في كتابتها، من باب قضاء الوقت بين يوم تبخر راتب الشهر الماضي وحلول موعد راتب الشهر الذي يليه!
لسبب ما، أراد أن يفكر أنه "الحظ"، كان الوحيد على "الكاش"! لكنه وإذ هم بدفع جزء ليس باليسير من راتبه على ما يفترض أنها مجرد أساسيات، بقي الصوت الخافت "يصدح" في رأسه: لا تنسني.. أنا شريكك بـ16 % من طعامك وشرابك!
حاول تجاهل الصوت، متجها صوب محطة البنزين. وبعد تفكير طويل، قرر أن "يفلل" السيارة؛ فهو يود أن يرى "شحطة العداد" للأعلى، ولو مرة واحدة. لكن ما إن مد يده إلى محفظته، حتى هاجمه الصوت الغامض، مطالبا بحصته التي تضيف ربع القيمة إلى ثمن البنزين.
عاد قليلا بذاكرته، حينما كان يرغب في جدولة قرضه ليشتري سيارة أفضل بقليل من تلك التي ورثها عن والده، بعد أن دفع عليها "تصليحات" تعادل ثمنها. لكنه تذكر خوفه من "شريكه!" الذي سيأخذ بـ"القانون!"، المقعد الذي بجانبه كما المقاعد الخلفية كاملة؛ والتي تعادل 84 % ضرائب ورسوما!
تنهد كثيرا، ولم يبق له إلا أن ينفث حيرته وإحباطه بسيجارة أراد تركها لأسباب صحية عملاً بنصيحة الحكومة. وقبل دخول البقالة، تلفت بحذر، أملاً في أن يفر من "أبو شريك". لكن هيهات! كقدر، ظهر يطلب ذات علبة السجائر التي اشتراها أبو محمد، فهو هنا شريكه بنسبة 100 %.
بعد أن خرج من البقالة، تذكر أن رصيد هاتفه المحمول لا يكفي لإجراء مكالمة، فعاد ليشتري بطاقة مستسلماً أنه يتحدث بأقل من ثلثي قيمتها، فيما يذهب الباقي لشريكه.
غداً نهار جديد.. أوهم أبو محمد نفسه أملاً في نوم ينسيه همومه. لكنه لم يكن كذلك، إلا بمطالبات الشريك الحريص على تأكيد وجوده مع كل معاملة وفاتورة.. ضريبة لا يملك المواطن، إن كان مسكيناً طبعاً، التهرب منها!
وفي "لمّة" أسرية في مطعم بسيط، يرفض الشريك الرحيل؛ بل يكاد يكون جالساً إلى جانب كل فرد من العائلة، يحصي عليه كل لقمة له منها في النهاية نصيب.
حتى الملابس يقررها "الشريك"؛ بموديلاتها وألوانها طالما أن حصته فيها 40 %؛ مقسمة بين 20 % ضريبة جديدة، و16 % ضريبة مبيعات، و4 % ضريبة دخل!
الحكومة شريكتنا جميعا في المأكل والمشرب والملبس، في المنزل والشارع، في الأفراح والأحزان، في الكلام والسكوت.. في كل تفاصيل حياتنا؛ لكن بدون أي حق في مشاركتها بشيء سوى الالتزام!
أبو محمد شارك الحكومة في تجارة ربحت فيها خسارته !!
f.alhassan@alghad.jo
الغد