التهديد بالمساءلة وفتح الملفات المغلقة، من أهم معيقات حركة الإصلاح في الأردن، حيث يخشى كثيرون أن ينشر غسيلهم وربما تتم مساءلتهم على طريقة «من أين لك هذا؟» فيعمدون إلى وضع العصي في دولاب الحياة السوية، فتضيع «الطاسة» وتمضي بنا الأيام على حواف العمل الجاد، فلا نحن فتحنا ملفا، ولا أغلقنا آخر، ونبقى ندور في حلقة مفرغة من العبث وحوار الطرشان!
الحل السحري في هذه الحالة طي كل الصفحات وفتح صفحة جديدة في كل شيء، بما في ذلك إصدار عفو عام حقيقي لا يستثني أحدا أو شيئا إلا بما يتعلق بحقوق البشر المالية، وبعض الجرائم المتعلقة بالخيانة وما يشبهها، ثم البدء في عهد جديد من العمل على «مية بيضا» على رأي إخوتنا المصريين، خروجا من كل المآزق المفتعلة والمطبات الصناعية والطبيعية في طريق الغد!
هذا الموضوع تحديدا، كان مدار حوار بيني وبين نائب المراقب العام للإخوان المسلمين، يُستفاد من خلاصته أن الجماعة، وهي القوة المعارضة الأكبر في البلاد، مستعدة للتعاطي معه بذهنية منفتحة، للوصول إلى صيغة مناسبة لكل الأطراف للسير قدما في مصالحة وطنية إن جاز التعبير، تتطلع للمستقبل، ولا تعيقها كوارث الماضي وسجلاته السوداء، في أي مجال كان، كما كان مدار حوار مشابه على مائدة عشاء، جمعت ثلة من السياسيين والصحفيين، وبينهم وزراء ونواب، ورجال مجتمع، وكانت الخلاصة أن البلد ليست بحاجة للعودة للوراء سنوات طويلة لنبش الماضي بقدر حاجتها لطي كل الصفحات والانطلاق للمستقبل، وعفا الله عما سلف بقضه وقضيضه، رغم ان البعض يسوق تجربة المغرب في هيئة الإنصاف والمصالحة، للاستدلال على أهمية نبش الماضي وتسوية الخلافات حوله، والفرق بيننا وبين المغرب في هذا الشأن كبير جدا، فالهيئة التي أسست في 7 كانون الثاني يناير 2004 أصبحت أداة فعالة للبحث عن الحقيقة في ملفات انتهاكات حقوق الإنسان وإنصاف الضحايا من خلال جبر الضرر ورد الاعتبار لهم. وهي جهاز ذو اختصاصات غير قضائية في مجال تسوية ملفات ماضي الانتهاكات لحقوق الإنسان بحيث تقتصر مهمتها عن البحث على الحقيقة وتقييم الضرر، ويتم ذلك عن طريق برنامج جلسات الاستماع التي نظمتها الهيئة في مختلف مدن المملكة، تُعطى فيها فرصة للأشخاص ضحايا الانتهاكات للتعبير بصفة شخصية ومباشرة على شاشة التلفزة وأمواج الاذاعة الوطنية المغربية عما تعرضوا له من تنكيل وتعذيب وإهدار للكرامة وما تعرض له ذووهم من أضرار جسيمة مادية ومعنوية، وفي الحالة الأردنية لا تختزن الذاكرة الوطنية مثل هذا الأمر، حيث يخلو التاريخ الأردني من الفظائع التي ارتكبت في المغرب، ولا يوجد لدينا مختفين أو مختطفين، أو انتهاكات على هذا الجانب من الخطورة، ولا نحتاج بالتالي إلى هيئة إنصاف ومصالحة، بقدر ما نحتاج إلى فتح صفحة جديدة في كل شيء!
لقد اضعنا وقتا طويلا في موضوعة الحوارات الوطنية والأجندات واللجان التي تضع وصفات للإصلاح ثم ما تلبث أن تتحول إلى كتب أرشيفية بلافائدة، وحان الوقت للبدء بعمل جاد وحقيقي، يتجاوز كل معيقات الماضي وينخرط فيه الجميع بلا استثناء، ودون ألاعيب أو إضاعة وقت، أو التفاف على ما يتم الاتفاق عليه!
الدستور