إلى محمد السقَّاف وقد اعتامَهُ الموت *الدكتور المهدي الرواضية
mohammad
22-09-2013 08:24 PM
رحمةً ومغفرةً
هي أيام كأداء مضت مذ فارقتنا، لم تخل ليلة في مطلع كل نجم من ذكراك الطيبة العطرة، وما فتئت ـ خلالها ـ روحك الطاهرة تحوم كفراشة لوّحت بها ريح زمهرير، ولا زال حبل السرة بيننا مُنعقد، وما غياب الجسد إلا كحلم ليلة قد طال ولم يدركه الصحو.
رحلت بعد أن أتعبك المرض المُعجز، وما قدرت على الإبلال منه، واحتجَبت في بيتك المتواضع، ترقبُ مآل الأمور في العالم، وتتألم لكل ما يدور من حولك من قتل وتهجير وامتهان لكرامة البشر، وتأمل بانحسار الغيمة وزوال الغمّة، مدفوعاً بعقيدة القومي والمناضل الذّي عرفنا نُبْل قِيمه وثبات مواقفه ودقة تفكيره وعمق إيمانه بالأمة العربية وطاقاتها الكامنة.
كنت ملاذاً لكل من حولك أباً وأخاً وصديقاً، ونصيراً للعوام من الناس، ومدافعاً عن الفقراء وزادهم، كنت مبعثاً للتفاؤل والأمل المجبول بدماثة الخلق وطيب العِرق.
وكنت المعلم والمربي، أوقدت في قاعات الدرس وميادين العمل الرسمي ومجالس الأدب والسياسة كل ما احتطبتْ على مدى سني العمر، فتخرَّج على يديك كوكبة من الرجال الخُلَّصِ، فجعهم غيابك ورحيلك المحموم كالرمح النافر... تركتهم وقد ألبسهم الهمّ ثوباً غطّى ما بين قُلة الرأس والمعصم، وأفقدهم ذلك الكتف الذي يسندون الرأس إليه إذا ما أثقله الهم واشتد به الضنك، فيلمسون في أعطافه دفء الكوانين في قرّ الشتاء.
عذيرك أبا خالد ـ وما أسلم بالتبرير ـ إذا ما عجزت عن الكلام، ولُذت بالنوح عوض البوح، فهي المنون لا تطيش سهامها، ونوازل الدهر ليس منا من يقدر على ردّها، وليس لنا ـ وقد مسّنا الضر ـ إلا التسليم بقضاء الله وقدره، فإليه نرفع حبوتنا وشكوانا "ولنبلونكم بشىءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموالِ والأنفس والثمراتِ وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون" صدق الله العظيم.