حتى لا نسطو على حقائق التاريخ فقد كان الأردن دوماً بلداً كبيراً عزيزاً مُصاناً كريماً، ولم يكن حجم الأردن السياسي بحجم الكيلو مترات المُربعة التي تُشكل مساحته ، ولا بعدد سكانه القليل نسبياً ولا بإمكانياته المحدودة ، فعندما يُذْكَر الشرق الأوسط كمنطقة هامة موئلاً للحضارات وموطناً للنزاعات وبؤرة حساسة ملتهبة سياسياً وعسكريا ً يقفز الأردن فوراً إلى ذهن المُتحدث والقارئ والسامع والمحاور ، وكأنه الدولة الأكبر والأهم في المنطقة فقد تجاوز حجم الأردن وثقله السياسي مساحتة وعدد سكانه بكثير ، وكان الأردني يفخر دوماً بوطنه وانتمائه له وهو يزهو بالعزة والكرامة واليأس ، فقد ساهم الأردن في نقل مفاهيم الحضارة والرُقي والتقدم ليصبح النمودج السَّبَاق دوماً في استخدام هذه المفاهيم والقيم، وكان المنارة العربية والقومية والهادي الموجه لدول المنطقة إلى أن تَسَيّدْ الطارئون المشهد السياسي واصبحوا قادة اللواء ساعين لتحويل الوطن من كيان سياسي رائد إلى كيان إقتصادي محدود يتناسب وحجم وامكانيات البلاد المحدودة ، فأعادوا الأردن للتقوقع والتراجع إلى حدود امكاناته الجغرافية والطبوغرافية وأقل من ذلك.
ولنتذكر تجارب الماضي ونستعيد دروسه السياسية ، فقد تقزمت سلطات و مؤسسات الوطن الأساسية التنفيذية والتشريعية عندما وُضِع الصغير مكان الكبير واستُبعد الكبير ووضع الجاهل مكان العالم واستُبعد العالم ، ووضع التابع مكان القائد واصبح القائد تابعاً وكما قال الإمام علي رضي الله عنه ( ويلٌ لأمةٍ مالُها بيد بُخلائها ، وسيوفها بيد جُبنائها ، وصغارها ولاتها )، وهذا ما كان في أكثر الأحيان فقد وضع الشخص الخطأ في المكان الخطأ واستخدم موقعه وحصانته المكتسبة بالعِرق والوراثة لدعم تعيين آخرين بنفس المواصفات إلى أن امتلأت شواغر الوطن بالكفاءات في الأماكن الخاطئة ، واصبح مُدرس العلوم يُدرس التاريخ واستاذ الانجليزي يُدرس الرياضيات وقس على ذلك؟؟!! وهكذا وصلت المديونية إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي وقفز العجز أكثر من 500% في خمس سنوات وزادت جيوب الفقر بأكثر من الثُلث ، واصبحت مؤسسات الوطن غير قادرة على استيعاب 20% من أفواج الخريجين والمتسربين لسوق العمل ، واصبح 80% منهم يُضاف سنوياً لإعداد العاطلين الذين يُشكلون أصلاً مشكلة مُستعصية كما أن إلـ 20% لا يذهبون إلى فرص عمل حقيقية بل يُضافون كبطالة مُقَنّعة لزيادة ازدحام مكاتب الحكومة بما يُعيق الحركة ويُقلل الإنتاجية ويُضاعف كلف الخدمات ما يُعرف بالهروب إلى الأمام في مشكلة بات انفجارها المتوقع بين ليلة وضُحاها يؤرق الجميع بعد أن اصبحت ايرادات الدولة تُغطي بالكاد 75% من نفقاتها الجارية وعلينا استجداء واقتراض الباقي ما يضع القرار السيادي للبلاد رهناً بإيدي المانحين والدائنيين .
ومما عَمّق الأزمة وزادها تعقيداً أن من شغل المنصب بلا استحقاق وبغرور القوة والجهل والغباء السياسي لا بد وأن يأتي بمؤسسات رقابية ضعيفة في بُنيتها وشخوصها ليضمن غطاءاً لعجزه وفشله وسوء إدارته بمن يتمتعون بنفس الصفات وحتى يكون لهم الفضل في توظيفهم وبقائهم على رأس عملهم و ليكون عليهم السمع والطاعة خوفاً وخجلاً وبذا يكون (قد وافق شنٌ طبقة ) وكان ما كان من سلوك المجالس النيابية الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والحكومات التي صاحبتها والمؤسسات الرقابية الأخرى التي افرزتها .
إلى أن وصلنا إلى المجلس السابع عشر وكان من ضمن النواب المنتخبين نواب من المجالس السابقة وصلوا القبة بالتزوير بإعترافهم واعتراف من قاموا به ووضعوا بنداً في قانون الانتخاب يلغي جرائمهم بالتقادم بستة أشهر ، تخيلوا معي جريمة تقترف من أبشع الجرائم وأشدُها خطراً على المجتمع وتتقادم في ستة أشهر ، بأي منطق كانت تُصاغ هذه التشريعات ويتم التعامل معها واقرارها يُقال تنتهي حُريتك عندما تبدأ حرية الآخرين وأياً تكن الحرية التي تتمتع بها الشخصية العامة والتي يمنحها لها القانون يجب أن لا تتجاوز الحدود المقبولة عُرفاً وقانوناً وبما لا يُسيء للآخر ويستبيح كرامته وخصوصيته ، والحصانة تُمنح للشخصية العامة في الحدود التي تكفل له القيام بالمَهام المنوطة به على الوجه الأكمل ، وتُمنح لعضو البرلمان حتى يتمكن من التعبير عن رأيه وفكره بكل حرية ويقوم بدوره الرقابي بدون خشية أو خوف لتحقيق التعاون والتوازن بين الصلاحيات والمسؤوليات التي يمنحها القانون لرجل السُلطة التنفيذية ليعرف أن هناك من يُحاسب ويُراقب ويتحدث بلا سقف عن أية تجاوزات على الأعراف والقوانيين التي يَقرها المجتمع ويُكرس سلطاته لحمايتها واحترامها ، وللبرلماني استخدام حقه في سؤال واستجواب وتشكيل لجان تحقيق برلمانية وله الحق في حجب الثقة عن الحكومة واسقاطها ، هذه سُلطات مُنحت للنائب لتساعده في إذاء مهنته كنائب وفي المقابل فأن لهذه السُلطة الحق بالتنسيب لجلالة الملك بحل البرلمان والمشاركة في سن القوانيين للحفاظ على التوازن بين أعمال السُلطتين حتى لا تتداخل أو تتغول إحداها على الأخرى على أن يتم ذلك في اطار القانون والدستور والعُرف والقيم والأخلاق ، وقد اعطيت الحصانة للنائب لتُشكل ضمانة وحماية قانونية وسياسية له كفلها الدستور ليستطيع النائب أن يؤدي وظيفته في الرقابة والمحاسبة والتشريع وفي هذا الإطار فقط ، فالحصانة مشروطة بعدم محاسبة عضو المجلس جنائياً إلا في حالة التلبُس بذلك تزول الحصانة عن عضو البرلمان ويصبح مواطناً عادياً ، إن من أهم أسباب وصول السلاح إلى داخل قبة المجلس هو تهاون المجلس مع من تجاوز وهدّد واستخدم حذائه ويديه ضد زملائه النواب !!! وهناك من وضع يده على السلاح بنية استخدامه ولم يُحاسب أحد فوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه وكان لا بد من الحزم وقد كان وعليه فإننا نعقد الأمل على نواب الأمة في أن يتفرغوا لقضايا الوطن ويهتموا بقضايا الأمة ومشاكلها التي باتت بحاجة إلى عدة مجالس وعدة حكومات لحل أزماتها، فارحمونا وارحموا الأمة رحمكم الله ، وعليكم أن تعوا أن الحصانة ليست دائمة وليست مُطْلَقة،عدا ذلك فإننا بحاجة إلى إعادة النظر فيمن يستحق الحصانة ابتداءً، ووقف تجاوزات المُحَصّن وتحديد جهة مسؤولة لضبط ومراقبة ومحاسبة من يتجاوز حصانته ليُسيء للمجتمع الذي منحه هذه الحصانه .