يتأوه المواطن الأردني صبيحة كل يوم على واقع معيشي أليم ممزوج بعبق من الحسرة والغضب ، ومع تناقض الأقوال والأفعال والكلمات في كل ما يجري هنا وهناك باتت معادلة المواطن الأردني بين مد وجزر في ما كان وسوف يكون !
الإصلاح كلمة أرهقت المواطن الأردني قولاً وسمعاً وقراءةً فإعلامنا المرئي والمسموع يعج يومياً بكلمة الإصلاح وأجزم القول أنه لو كان من آلية لتعداد هذه الكلمة لتصدرت قائمة الكلمات المتداولة في كافة الميادين وتحديداً الحكومي منها فالهدف الأول والأهم للحكومة الحالية والسابقة والقادمة هو تحقيق الإصلاح !
الإصلاح في اللغة كلمة مضادة للإفساد وهما ضدان ولا يجتمعان إطلاقاً ، ومن هنا ولأن القرآن الكريم هو الدستور الأبدي للمواطنين والذي لا يتغير ولا يتبدل بتغير الأزمان والأماكن أستشهد قول الله عزوجل: إن الله لا يصلح عمل المفسدين (يونس، 81) .
إن الإصلاح يكون بإبدال السيء من العمل بالحسن والخطأ بالصحيح وليس من معاني الإصلاح لغة وشرعاً زيادة الإمتيازات لفئة قليلة من الشعب يقابلها زيادة الأسعار على فئة أخرى كثيرة! وليس من الإصلاح أن تعج بيوت عمان الغربية بإخواننا العرب الذين نقدرهم وأن يقتصر السكن للمواطن الأردني في عمان الشرقية أو في المحافظات المترامية ! وليس من الإصلاح رؤية الكثير من السيارات ذات اللوحة الحمراء في جميع شوارع المملكة وأمام المقاهي والمطاعم وفي الجامعات الحكومية والخاصة وفي كافة الأوقات ! وليس من الإصلاح أن تقتصر معالجة عجز الموازنة على رفع الأسعار وكأن أدوات الإصلاح الإقتصادي قد تعطلت إلا عند رفع الأسعار !
إنجازات حكوماتنا الحقيقة التي لمسها المواطن الأردني خلال السنوات القليلة السابقة إنحصرت في رفع أسعار المحروقات والكهرباء والمياه والملابس والبطاقات الخلوية والهواتف والعطور والسيارات وبعض المواد الغذائية رافقها زيادة الإمتيازات الوظيفية لبعض موظفي الدولة قابلها تخبط في السياسات الاقتصادية والإستثمارية والتنموية فغدت الصورة باهته المعالم ولم يعد للمواطن الأردني الملامح الكاملة في صورة الوطن !
إن من غير المقبول التركيز على سلبية القول والعمل فالإيجابيات موجودة ولكن إيجابيات لا تنعكس على حياة المواطن تغدو للكثير سلبية !!
المواطن الأردني يستحق أن يكون له من معادلة الوطن نصيب وليس من حق أياً كان أن يحرمه من قوته ومسكنه يساعد في كل ذلك موظف حكومي أيقن وخطط في أن مصلحته الشخصية هي الأهم وفوق أي إعتبار وأن معادلته الشخصية هي أهم من معادلة الوطن والمواطن !
إن من أبجديات الإصلاح الشامل أن تكون الرؤية الاقتصادية والتنموية موجهةً لخدمة المواطن الأردني وهنا وفي هذا المضمار أطرح التساؤلات التالية: ألم يكن من الأجدى أن توجه الإستثمارات العربية التي دخلت المملكة بطرق شرعية وغير شرعية عبر السنوات القليلة الماضية وبمليارات الدولارات إلى المحافظات التي ترزخ تحت وطأة الفقر والبطالة عوضاً عن غسيل الأموال الذي تم من خلاله شراء نصف عمان الغربية لتصبح الشقة حلماً صعب المنال للمواطن الأردني ! ألم يكن بمقدور الحكومة السابقة والحالية أن توجه مليارات الدولارات التي تتدفق سنوياً من الخارج إلى الأماكن الأكثر فقراً وأن لا يقتصر إستثمارها في العاصمة عمان ! ألم تدرك الحكومة أن ما يسكت الأغلبية الصامته من أبناء هذا الشعب الأردني يندرج تحت بند الحب لهذا الوطن والرغبة الصادقة في الحفاظ على مقدراته وممتلكاته من العبث والتخريب ! ألم تدرك الحكومات المتعاقبة على أن دخل المواطن الأردني قد تآكل عبر السنوات الأخيرة وأن أي إرتفاع في الأسعار لا يرافقه إرتفاع في الدخل , يدخل المواطن في متاهة الخوف والترقب من مستقبل مجهول !
أجزم القول أن المواطن الأردني لن يغضب إذا أطلت علينا الحكومة وعلى سبيل المثال لا الحصر بقرار يقضي برفع راتب طبيب في وزارة الصحة أو عسكري بغض النظر عن صنفه أو فصيله ومن كافة الرتب إبتداءً من رتبة جندي إلى عريف إلى رقيب إلى وكيل إنتقالاً إلى ملازم فنقيب ومقدم وعقيد وعميد ولواء وفريق بحجة أن هؤلاء هم من الأردنيين الذين قدموا ويقدموا للوطن من الوقت والجهد والتعب للحفاظ على أمن الوطن والمواطن ، يقابله غضب عارم وسخط شعبي من قرار حكومي يقضي برفع أسعار الملابس المستوردة وعلى أبواب فصل الشتاء بحجة الإصلاح والخوف على مصلحة المواطن الأردني ! وشتان ما بين الحالة الأولى والثانية !!
إن الإصلاح المنشود يقضي مراعاة أحوال المواطن الفقير وأقصد هنا أكثر من نصف الشعب الأردني فأي عائلة أردنية دخلها يقل عن ال700 دينار شهرياً لا يمكن إدراجها إلا تحت هذا البند ، ومن أجل الموضوعية فإن العائلة التي يقل دخلها عن ال1500 دينار شهرياً لا يمكن أن تدرج ضمن الفئات الغنية فتكاليف المعيشة من مأكل ومشرب ومحروقات وكهرباء ومياه ولباس ومدارس وجامعات باتت حملاً ثقيلاً على العائلة الأردنية.
ختاماً فإن حكوماتنا مدعوة اليوم لإعادة النظر بالإصلاح وتوجيه بوصلة الإصلاح لمسارها الصحيح من خلال دراسة كافة الأبعاد عبر وجود قواعد صحيحة ودقيقة للبيانات تضم أعداد الوافدين العرب وأماكن سكنهم ونوع إستثماراتهم وطرق إدخال أموالهم وطبيعة العلاقة بينهم وبين الاقتصاد الأردني ناهيك عن البعد الأمني الذي كلف الدولة مئات الملايين ! كما أن الحكومة مدعوة لتوجيه الإستثمار بشكل يخدم الأردن وليس العاصمة فقط ! وتحقيق التنمية الشاملة عبر وجود إستثمارات حقيقة في المحافظات من خلال توفير الحافز الحقيقي وليس أقل من ذلك إلغاء الضريبة بالكامل على الإستثمارات في المناطق البعيدة والنائية وفي خضم الحديث عن قانون ضريبي جديد عصري فإن من أبجديات الإصلاح الاقتصادي والمالي والضريبي إعادة النظر بالضرائب المفروضة على السلع والخدمات من خلال تحقيق التصاعدية المنطقية المدروسة لضريبة المبيعات وضريبة الدخل وتحفيز العمل في المحافظات لتخفيف الضغط على العاصمة عمان وتعزيز البنية التحتية وقطاع النقل والمواصلات والإستفادة من الدعم الخارجي في مشاريع البنية التحتية للمحافظات والقرى الأردنية للإنطلاق في ثورة زراعية صناعية في كافة أنحاء المملكة مما يخفف من أعباء الفقر والبطالة ويسهم في أن يلمس المواطن الأردني معنى الإصلاح !
qatawneh@yahoo.com