الاغتراب الحكومي ومسلسل رفع الأسعار
حسن الشوبكي
21-09-2013 04:40 AM
أمست جلسات مجلس الوزراء شبحا يطارد أحلام الفقراء، ويقضّ مضاجعهم؛ إذ لا يكاد يحمل مساءا السبت والثلاثاء؛ موعد اجتماع الحكومة، إلا مزيدا من الهموم والأوجاع للأردنيين الذين لا يعرفون إلى أين يفرون من قرارات تلاحق جيوبهم.
لم تبدأ القصة بالمشتقات النفطية، ويبدو أنها لن تنتهي برفع الرسوم الجمركية على الملابس المستوردة إلى نسبة 20 %، وما بينهما من رفع لأسعار الكهرباء والاتصالات، واستعداد لرفع أسعار المياه والخبز. ولا يوجد على جدول أعمال جلستي الحكومة الأسبوعيتين إلا البحث عن وجه جديد للجباية، في ظل غياب أي خطة حقيقية لسد عجز الموازنة أو ضبط الإنفاق.
في غمرة السخرية من كل ذلك، يذهب التحليل إلى ما يمكن تسميته "اغترابا حكوميا" عن الواقع المعاش لمعظم سكان البلاد. ويتلخص هذا الاغتراب في أن الحكومة لا تعي جيدا معاناة الأردنيين! وأن القرارات التي تتخذها تتسبب في مزيد من نكد العيش للفئات التي تعاني، وما أكثرها! وهذا ما كشفته قبل خمسة أشهر نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية؛ إذ اتضح أن 36 % فقط من الأردنيين يعتقدون أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، في مقابل أكثر من نصف المستجيبين الذين يرون أن الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ.
اليوم، وبعد كل هذا التجريب والفشل، تكشف لنا نتائج أي استطلاع دقيق مقبل أن النسبة الغالبة من الأردنيين تعتقد أن الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ حتما. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الفقر والبطالة والأوضاع المعيشية وحالة الاقتصاد ومؤشراته عموما، تلعب دورا أساسيا في توجيه مزاج الأردنيين، يكون هذا المزاج اليوم في أسوأ حالاته، لاسيما أن مسلسل الرفع الحكومي للأسعار لم ينته بعد، وشموليته بلغت درجات لم يكن يتوقعها حتى الكتاب الساخرون!
يصرخ المواطنون ببعض الأسئلة همسا: هل دور الحكومة ينحصر في إضفاء المزيد من النكد والتعب والوجع على حياة المستهلكين؟ كيف سنستقبل فصل الشتاء وعيد الأضحى، وقدراتنا اختفت بعد كل هذا التصاعد في الأسعار؟ لماذ تلجأ الحكومات دوما إلى جيوب المواطنين؟ ومن قال إن ثمة ما تبقى في هذه الجيوب؟ لماذا تستسهل الحكومة خسران ما بقي من ثقة بها، وهي التي لم تقدم برنامجا اقتصاديا يساعد الأردنيين على مغادرة مربع رفع الأسعار، أو التمهيد لإيجاد حلول عملية لأزمات الاقتصاد المزمنة؟
بالعودة إلى قرار رفع الرسوم الجمركية على الملابس المستوردة، فان التبريرات التي ساقتها الحكومة لا تقوى على الصمود لإقناع المؤسسات والأفراد في الدولة على حد سواء. فحديث حماية الصناعة الوطنية وتشجيعها لا يأتي هكذا بدون مقدمات موضوعية، وهو بالمناسبة حديث مخادع. فالصناعات المحلية تغطي أقل من خُمس احتياجات السوق من الألبسة، كما يؤكد تجار كبار. ولن يتسنى لصناعة مثخنة بالجراح وغير منافسة، سد العجز الناجم في الطلب على الملابس، لاسيما وفصل الشتاء على الأبواب.
التداعيات المحتملة لقرار رفع الرسوم على الملابس المستوردة، ومعه قرارات أخرى في ذات الحيز الذي تتحرك فيه الحكومة، ستؤدي إلى إخراج تجار كثر من السوق، وتصفية أعمال نشأت للتو، وأخرى عمرها سنوات وربما عقود. هذا علاوة على الغلاء الذي سيتدحرج ككرة الثلج، في موازاة مواطن يفقد الثقة يوما إثر يوم بمن يتولى شأنه العام ومنه الاقتصادي.
الغد