اجتهد رئيس الوزراء وأعضاء فريقه، خلال الفترة الماضية، لينفّذوا جزءا من برنامج عملهم. وقد استطاعوا، فعلاً، تسجيلَ عدد من المنجزات التي يعتدّون بها.
ما من شك أن الحكومة حققت بعضا مما تريد، وهي تخطط لتطبيق سياسات أخرى. لكن المشكلةَ هي أن كل ما تحقق لم يغيّر انطباعات الشارع عن الحكومات؛ إذ لم تتمكن حكومة د. عبدالله النسور، رغم ما يملكه رئيسها من صفات النزاهة ونظافة اليد، من استعادة جزء من الثقة المفقودة. سبب ذلك قد يكون أن معظم ما اتخذته هذه الحكومة من قرارات مهمة، إنما كانت قرارات صعبة وقاسية، مسّت حياة الناس وأثّرت فيها سلبيا، فيما الآثار الإيجابية المأمولة مؤجلة إلى حين.
وثمة قضايا كثيرة يتطلع الناس لتنفيذها من قبل الحكومة خلال الفترة المقبلة. وطموحات المجتمع كثيرة، وآماله التي يرتفع منسوبها وينخفض تبعا للوضع العام، كثيرة أيضاً ولا تنتهي.
ما يطمح إليه المجتمع يتعلق بحياة أفضل. وتمسّكُه بالأمل يجعله يرفع سقف التوقعات حيال كل حكومة جديدة، وما يمكن أن تقدمه للمجتمع من نفع وفوائد، تسهم في استعادة الثقة بالحكومات كسلطة تنفيذية، دورها خدمة المجتمعات.
مدى قدرة الحكومة على استعادة الثقة، وتقليص الفجوة بينها وبين الشارع، مسألة جدلية.
شعبيا، يرى كثيرون أن الحكومة الحالية لم تقدرْ على تجاوز عقدة الثقة؛ فقد فشلت كثيرا في إقناع المجتمع بأنها تختلف عن غيرها من الحكومات. ودَعم هذا الانطباع الشعبي كثرة القرارات الصعبة، وليس آخرها زيادة الرسوم الجمركية على الألبسة قبيل عيد الأضحى.
أما رسميا، فيؤكد وزير الإعلام د. محمد المومني، أنّ الوضع مختلف، وأنّ الحكومة الحالية تختلف عن سابقاتها، كونها اعترفت بأزمة الثقة من حيث المبدأ، مشيرا إلى ثلاث قضايا ساعدت الحكومة في استرداد جزء من الثقة التي ضاعت على مدى سنوات طويلة.
أولى النقاط التي مكّنت الحكومة من تحقيق هذه المهمة، تتمثل في لجنة التعيينات التي تعتمد أسسا ومعايير مهنية شفافة، تبتعد عن الواسطة والمحسوبية. يضاف إلى ذلك، وبما يجسد الدليل الثاني، مضيّ الحكومة في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي لتخليص الموازنة العامة من أزمتها وتشوهاتها.
أما الحجة الثالثة التي يسوقها المومني، فترتبط بتطبيق القانون واستعادة الشعور بالأمن والأمان. إذ باشرت الحكومة العديد من الحملات الأمنية لمنع الاعتداء على المال العام واستعادة الهيبة، من قبيل الحملات على سارقي المياه والكهرباء والسيارات، والتي أعادت الطمأنينة للمواطن.
للحكومة كل الحق في تبرير قناعتها. لكن من واجبها أيضا الإنصات للشارع الذي ما يزال يفقد إيمانه بها، ويقتنع كل يوم، بشكل أكبر، بأنها لم تقم بواجباتها، اللهم باستثناء تلك المتعلقة برفع الأسعار!
وحتى حجج الحكومة تفندها قصص تخرج كل يوم عن استمرار عمل عصابات سرقة السيارات والمياه بدون رادع، ما يجعل الفرد غيرَ آمن على حاضره ومستقبله، ويولّد شعورا من عدم اليقين حيال كل شيء.
كيف لأي حكومة أن تستعيد الثقة، وهي لم تُقنِع العامة بسياسة محاربة الفساد؟ وأنّى لها أن تقلّص فجوة الثقة، وهي تفكر بقانون ضريبة يصيب الطبقة الوسطى في مقتل؟.. وغير ذلك الكثير.
صحيح أن خيبات "الربيع العربي" ومشاهد الدم، ربما أدت إلى تراجع المطالبة بالإصلاح السياسي. لكن ذلك لا يقلل من أهمية هذا الإصلاح، لدوره في تكريس المساءلة والشفافية والمحاسبة، والسير نحو دولة ديمقراطية تؤمن بالتعددية والمدنية؛ وهذه هي أُسس استعادة الثقة.
معركة استعادة الثقة طويلة ومرهِقة، ولها كُلَف، لكنها لم تبدأ بعد؛ على العكس، يظهر من المزاج العام أن الحكومة الحالية، بكل ما تفعل، قد أخفقت في الاختبار، مع سبق الإصرار والترصد.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد