بتعيين السيد عقل بلتاجي أمينا لعمان تكون الأمانة قد عادت إلى عقلها ووظائفها الأساسية من تحسين وتطوير الخدمات والمرافق وإضافة المزيد منها وترشيد النفقات وتعظيم عائداتها وتحسس احتياجات المواطنين، لتظل عمان كما هو دأبها موئلا حقيقياً للأردنيين الذين يفاخرون بها نظافة ورقيا وتحضراً، بعد أن فقدت في السنوات الأخيرة رونقها وبهائها.
وبذلك فاعتماد العقل هو من قبيل بث الثقة وترويج المعرفة وتأكيد الانجاز بعيدا عن الأجندات الخاصة أو الفشخرة أو التحليق في الفضاء، لأن النتيجة كانت ديونا قاربت في فترة من الفترات 600 مليون دينار، على خلفية مشاريع تبين لاحقا أن معظمها بلا رسالة أو هدف واضح سوى إشغال الناس، بدليل أنها إما ألغيت أو لم تستكمل أولن تستكمل.
لذلك أضحت حاجة عمان ملحة إلى عقل يديرها وفق متطلبات الحاضر وتطلعات المستقبل (بعد أن عاشت فترة من المراهقة، وهي المدينة الناضجة التي تجاوز عمر بلديتها المائة عام) من خلال العودة إلى أصول العمل البلدي ببعديه الخدماتي والإنمائي، وهما الغائبان عن عمان في فترة المراهقة الماضية، ما يتطلب أن يكون التفكير العقلاني سيد الموقف في إدارتها والتعامل مع همومها، وإصلاح الخلل الذي أحدث شروخا في العلاقة بينها وبين أهلها، فالجميع يواجه اليوم تحدي النهوض بالأمانة إلى مستوى المؤسسة العصرية القادرة على تقديم الخدمات بسرعة وكفاءة وعلمية، على قاعدة التدرج في الأولويات و الاستطلاع الدائم للحاجات.
يتطلب هذ التحدي وجود جهاز إداري يعتمد التقنيات المتطورة لتقديم الخدمات وتبسيط وتسريع الإجراءات وإلمام أكبر بالواقع الديمغرافي والإجتماعي والثقافي والبيئي والاقتصادي المتغير، والتعبير عنه إحصائيا لأن ذلك يساعد على اتخاذ قرارات أقرب إلى العلمية أداءً و إنجازاً وتخطيطاً مؤسسياً كان غائبا.
واليوم فإن الأمانة بعقلها المجرب والمنظم مدعوة ابتداءً لاستعراض موقفها الاستراتيجي الراهن، لتقييم مسيرتها الماضية، لتعرف أين تقف خدماتيا ماليا اقتصاديا اجتماعيا ثقافيا وإنسانيا ، ولتحدد أهم الإنجازات التي لم تستطع القيام بها، أهم العوائق التي تواجهها، مصادرمواردها، واقع وحاجات ملاكها، قواعد البيانات والمعلومات التي تملكها، علاقتها بالمواطنين والمجتمع المدني، لترسم خطاها وفقاً للأولويات المنبثقة من تطلعات الناس.
ولا بد للأمانة بإدارتها العاقلة أن تلحظ أهمية المشاركة لأنها نوع من "الاستفتاء الدائم" لتصحيح المسار وتلمس الأولويات وتأمين التواصل بينها وبين المواطنين. فلو تم تعيين وانتخاب أفضل مجلس فانه لا يلبث أن ينعزل عن الناس ويصبح له توجه وتفكير منفصلين عن همومهم إذا لم يكن لديه قنوات تواصل معهم، من ذلك إيجاد هيئات أهلية تناقش المشاريع وتقترح الأفكار التي تخدم الأمانة، مما يعزز المبادئ التي توجه عملها كتوطيد الروابط الاجتماعية وتفعيل الخدمات السريعة ذات الجودة العالية وإطلاق العجلة الاقتصادية وتطوير المشاريع الانمائية والنظافة والحلول لمشاكل السير و تأكيد البعد الديمقراطي في الحكم المحلي وغيرها.
الأمانة عقد شراكة مع المواطن فإذا أخل أي طرف به تسود الفوضى وتنعدم الثقة، لذلك فالعقل هو الكفيل بأن تظل الأمانة أمانة في عقل وقلب كل مسؤول ومواطن.