بينما كنت اقود مركبتي باتجاه أحدى قرى شرق المفرق مرورا بالطريق المؤدي الى مدخل مخيم الزعتري, واذا بمجموعة من الاطفال لا تتجاوز اعمارهم عشرة سنوات, اقتربوا من مركبتي, ففجأة بدت على وجوههم التي كانت قريبة جدا من زجاج مركبتي تظهر عليها ملامح الحزن والاستعطاف والبؤس لإعطائهم اي نوع من المعونة المالية او العينية قائلين " يا خالتو فيكي تساعدينا احنا هربنا من الحرب.......... " وكوني اردنية حرة اصابني نوع من العطف والحزن وشعرت ان دموعي بدأت تتقافز من عيني واعتُصر قلبي المسكين لشدة الحزن عليهم, فبدأ كل واحد منهم يمسح بذقنه للاستعطافي فرقَ قلبي لهم وخصوصا انهم اطفال ...... اطفال اي نبع للبراءة التي هي عنوان كل طفل في العالم, فقررت وبشكل سريع ان افتح النوافذ, فعانقت يداي وببطء " السنتر" الخاص بالسيارة قبل الضغط فاذا بهم يمسكوا حجارة كانت مخبأة بأيديهم فبدأوا يهددوني ان لم افتح النافذة سيكسرون الزجاج........ هنا بدا قلبي يخفق بسرعة وحاولت ان اغطي ملامح الخوف بنوع من العصبية لكي اشعرهم بمدى غضبي وبدأت يداي تضغط على " زامور" السيارة لألفت نظر الشرطة لكي ينقذوا سيارتي " دم قلبي", فبدأ الاطفال الاربعة يبتعدوا حاملين بأيديهم الحجارة يجرون اذيال الخيبة في تحقيق مرادهم بسرقتي ويخرجون السنتهم تعبيرا عن مدى حقدهم علي قائلين " يا باطل! حرمة أوية ", وهربت مسرعة بسيارتي والخوف والاستغراب والصدمة تعتليني لشدة غرابة الموقف..

فخلال استمرار مشواري قلت "واااااال معقول في اطفال بهذا العمر شبيحة... معقول بطل في أمان في بلدنا !!!!!", فبدأت تتلاطم امامي الافكار لغرابة ما حدث وكيف هؤلاء الاطفال تُسول لهم انفسهم التفكير بطريقة جهنمية باستغلال براءتهم لتنفيذ مهمة تعد خطيرة في عالمهم وتتنافى مع قوانينهم, فشاهدت خلال قيادة السيارة الكثير من الصور التي اودت بنا نحن الأردنيين الى الهاوية, ومنها الطيبة التي تغلف قلوبنا وعقولنا واصبحت جزء لا يتجزأ من ممارساتنا, وكانت سبب في ضياع الكثير من حقوقنا, وتدهور حالنا.

فبدأت اعاقب نفسي بسبب اقتناعي لوهلة ببراءة الاطفال والحزن على وضعهم المثير للشفقة ونسيت الكثير من القصص التي تحكى عن السرقات المتكررة منهم للمحال وتعديهم على مقتنيات شعبنا الطيب, فقلت " هو بس انا مسكينة ما هي كلها مساكين وكلها ترق قلوبها للغُرُب " فاشتد النقاش بيني وبين نفسي وقررت ان لا احزن على اي شيء وان اتحلى بنوع من القسوة واتجرد من طيبة الشعب الاردني التي سترميه نحو المصائب والزعزعة الامنية.

فخلال القيادة وجدت على قارعة الطريق امرأة عجوز وبصدق اثار حزني وجودها على الشارع الرئيسي لوحدها فبدأت قدمي دونما شعور الضغط على الكوابح لكي اخفف من السرعة واستفسر ان كانت تحتاج لمساعدة, سرت الى اقصى اليمين فاصطفيت قربها فقلت لها " السلام عليكم, كيفك خالتي شو موقفك هون بدك اي مساعدة ", فردت علي وكان يلف وجهها نوع من الاستغراب والحزن " يا خالتي زكاتك فيكِ تساعديني طلعت من البيت ولادي جوعانين وابوهن شهيد وبدي بيع المعونة الي معي تشتريهن مني" فمنطقيا قلت لها " طب يا خالتي طالما جوعانين ليش تبيعي المعونة خليهم لولادك" فردت وكان شيء من الغضب قد زار وجهها وقالت " ظريب يظربكن الأرادنة ما في بألبكم رحمة ".

في هذه اللحظة تيقنت اننا نحن الأردنيين لا زلنا شعب تقتله الطيبة والحزن على الغير وننسى ان هناك الكثير من يقطنون المناطق الشرقية من المفرق يعانوا شح الحال ويفتقدوا ابسط مقومات الحياة يعيشون في خيم ولا يصلهم شيء من المعونة ورغم ذلك تجد العفة عنوانهم يستحيون من ان يطلبوا وكلنا نعرف بان معظم الجمعيات الخيرية تناست الفقراء والاسر العفيفة والارامل والايتام وكرست جهدها لدعم الغير, الم يحن ان نستيقظ من سباتنا وكما يقال " الاقربون اولى بالمعروف" ألم يحن ان نتخلص من هذا القلب الطيب لكي نحمي انفسنا واولادنا من غياهب ما يحدث حالياً ..... ألم يحن ..!!