التجارب الثورية التي مرت بها الشعوب تثبت أن نسبة نجاح الثورات المضادة أقل بكثير من نسبة نجاح الثورات «الأصلية» ..
إن نظرة سريعة على النتائج التي وصلتها «الثورات المضادة» في العالم تعطينا مثلا على ما يمكن أن تؤول إليه ثورة مصر، وغيرها من بلاد العرب، «نضال الشعوب الثائرة .. نماذج حول العالم» عنوان موضوع لغادة غالب وأماني عبد الغني، نشرتاه في صحافة مصر، وأجمل واقع الثورات في العالم.. سأحاول أن استخلص منه محطات تهمنا في هذا الباب..
1. الثورة الفرنسية.. محاولات اختطاف لم تستمر طويلاً: بدأت الثورة الفرنسية 14 يوليو 1789م، وبعد أشهر تولى أحد قادة الثورة وهو المحامي «ماكسمليان روبسبير» رئاسة الحكومة، وانفرد بالحكم بنفسه، حتى أصبح إعدام المعارضين لروبسبير بالمقصلة يوميًا من المشاهد المألوفة في باريس. وبعد مقاومة وتضحيات خمسة أعوام قتل الشعب الدكتاتور، وعادت السلطة للشعب.
2. الثورة البرازيلية نحو حلم الحكم المدني: اندلعت الثورة الشعبية في البرازيل يوم 24 أكتوبر 1930م، وكان أبرز نتائجها الإطاحة بالرئيس «واشنطن لويس»، وقد قام الجنرال «جيتيولو فاغاس» بانقلاب عسكري وظل الحراك الشعبي مع المجازر حتى شهدت البلاد عام 1983م حراكا مجتمعيا حاشدا لمدة عامين وفرضوا الانتخابات الرئاسية وفاز «خوسيه سارني» برئاسة الدولة عام 1985م ومنذ ذلك التاريخ تعاقب على حكم البرازيل حكام مدنيون.
3. كوريا الجنوبية من هيمنة العسكر إلى الرسوخ الديمقراطي: اندلعت في كويا الجنوبية يوم 19/4/1960م ثورة شعبية بقيادة مجموعة من طلاب المدارس والجامعات والعمال وأساتذة الجامعات أطاحت بحكم «سينغمان ري»، وعقب ذلك أجريت انتخابات برلمانية فاز فيها الحزب الديمقراطي المعارض بالأغلبية، وتم وضع الدستور الذي غير نظام الحكم إلى نظام برلماني، وقام البرلمان بانتخاب «يون بو سون» لمنصب الرئيس في أغسطس عام 1960م.غير أن الحكومة الكورية واجهت العديد من الأزمات الاقتصادية بسبب سوء الإدارة وتفشي الفساد، بجانب حاجة الجيش والشرطة للتطهير، فسادت حالة من المظاهرات والاحتجاجات فى الشارع بشكل يومي للمطالبة بالإصلاح السياسي والإقتصادي.
وهو الأمر الذى لم تقوَ عليه الحكومة، وبالتالي لم تستطع فرض القانون والنظام، واستغل العسكريون هذا الوضع وقاموا بانقلاب عسكري يوم 16/5/1961م بقيادة الجنرال «بارك تشونج» الذي فرض نظاما ديكتاتوريا من خلال حل مجلس الشعب وإحلال ضباط الجيش محل المسؤوليين المدنيين، وقام بوضع دستور جديد يمنحه سلطات واسعة، ثم رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية فى أكتوبر 1963م ، وفي 1965م خرجت مظاهرات حاشدة من الطلاب واستمرت 18 سنة، حتى عام 1992م عندما أجريت انتخابات رئاسية فاز بها «كيم يونغ سام» كأول رئيس مدني.
4. ثورة تشيلي.. عشر سنوات للتخلص من النظام السابق/ حكم ديكتاتور تشيلي «أوغستو بينوشيه» الذي حكم تشيلي خلال الفترة بين (1973-1989م) ولقي نهاية دراماتيكية غير متوقعة، حيث خلعه شعبه بعد أن عدل الدستور ليحكم تشيلي طوال حياته‘ فثار الشعب وظل ينافح حتى تمت إجراء انتخابات رئاسية مباشرة، فاز فيها «باتريشيو أيلوين»، ليصبح أول رئيس ديمقراطي منتخب بعد حقبة من الاستبداد والعنف.
5. رومانيا.. إعادة إنتاج النظام السابق متدثرًا بالثورة: اندلعت الثورة الشعبية، في ديسمبر 1989م، والتي أسفرت عن إسقاط نظام «نيكولاي تشاوشيسكو» وإعدامه هو وزوجته في محاكمة تاريخية علنية، وعقب الإطاحة به تولت جبهة الإنقاذ الوطني التي كونتها جماعة من الحزب الشيوعي السابق سدة الحكم، وأصبح «إيون إيليسكو» أحد أعمدة الحزب الشيوعي السابق رئيسًا بالإنابة لرومانيا. وسعى «إليسكو» لتحجيم الثورة وحصارها وإطلاق العنان لاتباع النظام السابق، وبدأ بالجيش، وعقد صفقات مع جنرالاته الكبار، وقام بمحاكمة المعارضين لممارساته من القوى السياسية والحركات الطلابية، بتهم التجسس والعمالة، وتلقى التمويل من جهات خارجية، وتطبيق أجندات أجنبية. وظل الشعب الروماني في سجال ومقاومة مع بقايا وفلول شاوشيسكو حتى فرضوا الانتخابات النزيهة، ليفوز جناح المعارضة في الانتخابات البرلمانية، مما أنهى أي وجود للشيوعيين بعد عقود من الإلحاد والقهر والفساد.
6. الثورة البرتقالية.. من حلم الثورة إلى سراب الواقع: اشتعلت في أوكرانيا 2004م بعد عملية تزوير انتخابي فاضح اقترفها نظام «ليونيد كوتشما» مما أثار غضب المعارضة التي حشدت مناصريها ودعتهم للخروج إلى الشارع بـــالعاصمة « كييف «والتنديد بفساد النظام الحاكم.وبالفعل نجح «يوتشينكو» المعارض، وتم تنصيبه رئيسًا للبلاد عام 2005م.
7. ثورة التوليب.. ثورة جديدة على الثائر المستبد: قامت ثورة التوليب في «قيرغيزستان»، يوم 27/2/2004م حيث أطاحت برئيس الدولة «عسكر أكاييف»، وقام الفلول باستنساخ النظام الماضي فشهدت فترة حكمه مقتل العديد من السياسيين البارزين، وأعمال شغب في السجون، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والمعارك من أجل السيطرة على الشركات المربحة. وفي مارس 2010م، شهدت «قيرغيزستان» احتجاجات واسعة وتم فرض حالة الطوارىء لاحتواء الاحتجاجات لكن غضبة الشعب لم تتوقف مما اضطر «باكييف» إلى الهروب في أبريل 2010م. إلى أن قامت الانتخابات الرئاسية أكتوبر 2011م، والتي أسفرت عن فوز زعيم المعارضة «ألمظ بك أتامباييف» برئاسة الجمهورية!
ويبدو أن الانقلابيين في مصر درسوا هذه التجارب ويحاولون تطبيق النموذج الروماني لكن يبدو ان شعب مصر لن يتركهم يعبثون بمصيره، وما إضراب المترو بالأمس ونجاحه الباهر رغم الإنكار الرسمي إلا الدليل الأكثر سطوعا على إصرار الشعب على إنقاذ ثورته، واستخلاصها من براثن الإنقلابيين، وفق رؤى جديدة لا حدود لإبداعها!
الدستور