كم كنا نحتاج، في هذه الأوقات العصيبة التي باتت سمة العالم العربي، جرعة فرح وأمل نقاوم بها الشدائد؛ تُخرجنا من زاوية الحزن والقهر بسبب ما نعيشه من مآس تحيط بنا.
صعب أن نجمد آلامنا وهمومنا في غمرة مشاهد القتل والإفناء والتذبيح.. لكن حقنا، بل وواجبنا، بسبب كل ذلك البحث عن فسحة تجدد فينا الأمل.. من حقنا أن نضحك، وإن فرض علينا البكاء؛ وأن نستريح من غضب وحزن تفرضهما علينا إنسانيتنا؛ وأن نواصل اقتناص الفرح تماماً كأطفال صغار، بعد أوقات طويلة فقدنا فيها الدهشة.
يصنع ذلك النشامى.. لأنهم نشامى! في 180 دقيقة من الألق والإرادة في مواجهة أوزبكستان، لتتحقق ما ظن كثيرون أنه معجزة في زمن انتهت فيه المعجزات.
هي دقائق فرح، لكنها بحجم حياة، عمت بيوت الأردنيين؛ لا ابتهاجاً بفوز فحسب، بل أكثر من ذلك فخرا وعزيمة وقوة وانتصارا يسجل لنا جميعاً؛ لاعبين ومحبين مؤمنين بقدرات وطن طالما صنع المعجزات بإنسانه في كل مجال.
لم يخذلنا النشامى الذين تسلحوا بمحبة أهلهم في الوطن، والعداء لليأس والضعف، فبدت "القلة" في كل شيء آخر، أعظم من كل إمكانات دول أخرى لم تصل إلى ما وصلنا إليه.
قدموا دروسا وعبرا بأنه على قدر أهل العزم تأتي الانتصارات، وليعودوا مرفوعي الرأس بفوز مستحق، رغم التشاؤم الذي عم كثيرين قبيل المباراة، وتوقع خسارة ستكون فادحة بدعوى ضعف الحرفية وقلة الإمكانات.
لكن قلة الإمكانات قهرها النشامى، فحققوا طموحات شعبهم والعرب، وأرضوا بأدائهم المشرف الجميع، هي التي أدخلتهم التاريخ؛ صناع مستحيل.
هم بحاجة منا جميعا إلى دعم متواصل لا يرتبط فقط بالفوز في مباراة ما، قد يعقبها توزيع مبالغ مالية "زهيدة" عليهم، في مقابل انتقاد لاذع لا يرحم في مباراة ثانية خسروا فيها.
الحل هو في "تنمية" المنتخب الأردني؛ فالاستثمار في "النشامى"؛ سفرائنا إلى العالم والنجومية، هو استثمار في الدولة للوصول بها إلى القمة كما يليق بها على كل صعيد. فينبغي أن تكون هناك مخصصات كبيرة "مجزية" من الدولة لدعم لاعبينا، لكي يستطيعوا تمثيل وطننا في المحافل العالمية بما يليق بنا جميعاً، أردناً وأردنيين.
النشامى يحثون الخطى على طريق البرازيل بأقل الإمكانات، إنما بكل عزيمة وإصرار. وهم بذلك من زرعوا الفرح في قلوبنا، وأنسونا، ولو لبرهة، صعاب الحياة.
من الآن نقول: أنتم نجوم آسيا، ومصدر فرح وفخر الأردنيين.. وبانتظار أن تحققوا لنا الحلم!
f.alhassan@alghad.jo
الغد