يبدو أن قدر حاضرنا معشر العرب، لا يقل قتامة عن تلك الأيام الكربلائية التي شهدت تقابل السيوف العربية ومنازلة الأخ لأخيه والإبن لأبيه. فنحن نعيش اليوم على قرع طبول الحروب البينية والإقليمية والدولية، وما زالت أرضنا تئن تحت وطأة سنابك خيول الغزاة. ونشاهد على مدار الساعة، تلك الدماء التي تهدر، والأرواح التي تزهق، والحرمات التي تنتهك. لكن ما يدمي القلب ويجرح ما بقي من ضمير» إن كان هنالك ضمير»، هو ان القاتل عربي والمقتول عربي، وفي ظل إعلام، محلي وإقليمي ودولي، تحريضي وإقصائي « مقيت». كل ذلك يجري بلا خوف او وجل من الله عز وجل الذي حرم قتل النفس البشرية إلا بالحق، مؤكداً سبحانه وتعالى على أن من قتلها فكأنما قتل الناس جميعاً.
ونذكر كل الذين صفقوا ذات يوم لمآلات العراق السياسية والأمنية، ودفعوا بإتجاه تدويل الحالة العراقية، وتدمير سلاحه، الذي هو ملك للأمة وليس للعراق وحدة، ووضعه ومستقبله « تحت رحمة الإنتداب الأممي»، ودفعوا بإتجاه إحتلاله وتمزيق أوصاله، وتغييب دوره، بل وسلخه عن أمته، وإهدائه على طبق من فضه، لمن يترصد بهذه الأمه ويضمر لها، ليس شراًً واحداًً بل كل الشرور. نقول لهم، ماذا جنيتم من فعلتكم هذه، وأين كنتم وأين انتم الآن.
كان العراق، وبغض النظر عمن يحكمه او يدير دفة قيادته، بالمرصاد لكل الطموحات التوسعية الشعوبية، وكان ملاذاًً آمناًً لآهات الأمة وأوجاعها، وبلسماًً شافياً لتضميد جراحاتها وما أكثرها. كان بالإمكان التوقف بعد ردع عدوانه على شقيقته الصغرى، والإنطلاق من تلك النقطه للملمة شعث الأمة وإعادة هيكلة دور العراق، ومساعدته في المصالحة مع نفسه اولاً ومع أمته ثانياً. كما كان من المفروض أن ننظر للأمام، لا أن نبقى حبيسي عقدتنا الثأرية، ونستمر في أيقاعه في شراك الرعب والقتل وتدمير الذات، ونقوده بإصرار إلى حتفه وتدميره وإحتلاله. حيث لم تتوقف النتيجة على خسارتنا له، بل أصبح بوضعه الحالي، غير المستقر والمليء بالدماء وبالإقصاء الطائفي، يمثل تهديداً لأمن الأمة العربية، خاصة المشرق العربي، بل تحول من حامي حمى الأمة إلى ثغر تؤتى الأمة من قبله.
أستذكر مصيبتنا في خسارة العراق، ونحن اليوم أمام مصيبة أخرى في سوريا. خاصة بعد أن أقرت الحكومة السورية بإمتلاك أسلحة الدمار الشامل، وأبدت إستعدادها لتدميرها ووقف إنتاجها والإنضمام إلى المنظمات الدولية ذات الصلة والتي تحرم إمتلاكه وإستعماله. وما يدمي الفلب أن ذلك حصل وبدون مقابل، او حتى إشارة للترسانة النووية الإسرائيلية. والخوف كل الخوف من أن يتحول هذا الإقرار إلى سياسة دولية-غربية عامة تهدف إلى تحويل هذا القطر العربي الجريح إلى حالة عراقية أخرى. لذلك علينا جميعاً، سواء على مستوى النظام الرسمي العربي ام الشعوب، أن نمد حبل النجاه لطرفي المعادلة، الحكومة والمعارضة، ونساعد الشعب في تلمس طريق النجاه في هذا النفق المظلم الذي وجد نفسه فيه، بقصد او بدونه. وأن نساهم في حل سلمي يحفظ دماء الشعب العربي السوري، ويجنبه الدمار الذي حصل للعراق. عسى ولعل أن نبعد أبناء هذا الشعب الجريح عن تدمير الذات والإبتعاد تقمص شخصية «المنبت»، الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
alrfouh@hotmail.com
الرأي