جاءت شرارة الربيع العربي لتعلن حربا عن الفساد في أوطاننا العربية، وتعيد للمواطن العربي كرامته وحقه في الحياة ، وتنهي ردحا طويلا من الحكم الديكتاتوري والمستبدّ، وتضع حدا لما عانى الإنسان العربي من جوع وظلم وقهر .

في الأردن أظهرت الإراده السياسيه للقيادة الأردنية تفهّم واضح لمطالب الشعب وطموحاته بحياة كريمة ، فجاءت الإصلاحات السياسية متتالية ومتدرجة ، فتميز الربيع الأردني بسلميته ونقائه من الدم .

إن الإصلاحات السياسية المتمثلة بتعديل الدستور وتشريع الكثير من القوانين الناظمة للحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وتعديلها، يفترض أن تفي بتطلعات القيادة والشعب وتحقق أنموذجا أردنيا متميزا على الساحة العربية والدولية ، خاصة أن الأردن بدأ ربيعه الأول في نهاية الثمانينات من القرن الماضي بعد هبة نيسان حيث عادت الحياة الديمقراطية عام 1989 بعد عشرين عاما من الأوضاع العرفية ، ثم جاء عدد من الإصلاحات السياسية كالميثاق الوطني وقانون المطبوعات وقانون الأحزاب .

إذاً بدأت الإصلاحات في الأردن منذ خمسة وعشرين عاما ، ولكن هل لبّت تلك الإصلاحات طموحات القيادة والشعب؟ هل نحن بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات ؟ هل نحتاج تلك الفترة الطويلة لإنجازها ؟ هل نحتاج إلى تلك اللجان التي تتشكل لتحقق طموح المواطن الأردني بالاصلاحات المنشودة؟.



المؤسف، أن هناك من يفرغ الإصلاحات من مضمونها وروحها ولم يدرك حتى اللحظة حتمية التغيير وأخذ العبر، ويتجاهل إحباطات الناس واحتقانهم . وما زالت تلك الفئة هي نفسها تتمادى بالطغيان وأكل حقوق الناس واقصائهم وسلب كرامتهم فظلت تتوارث وابناؤها وأصهارها الوطن ومكتسباته ،وتنافس الأردنيين لقمة الخبز لتطعمها لكلابها .

ونحن نتأمل العديد من الأسماء والشخصيات التي تقلدت مواقع المسؤولية يذهلنا حجم العلاقات والروابط الاجتماعية التي تحكم طريقة تبوء تلك المواقع، والمصيبة الكبرى أن بعض منهم أول من يحزم حقائبه تجاه المطار عند الشدائد ، و أذكر عندما أعيدت خدمة العلم كم لجأ العديد منهم إلى إعاقة ابنه من أجل التهرب من خدمة العلم ، فما بالنا بهم إذا حل بالبلد ما هو أخطر لا قدر الله .

يقولون لنا أعطونا دليلا واحدا على فسادهم ، ألا ترون معاناتهم في البطالة والجوع والحرمان كما نعاني ! ألا يشغلوا وحاشيتهم وشللهم أرفع المناصب الحكومية ، أهم يملكون جينات الإنتماء ونحن جينات الخيانة ، أم أنهم و أبناءهم وأصهارهم يملكون من الكفاءات ما لا نملك ، ألا تتبعون تلك الأسماء ومواقعها الوظيفية وترون من يقف وراءها ، ألا ترون قصورهم وكروشهم وترفهم وتتعقبون حجم مكالماتهم الهاتفية لتدركوا كم من الفساد يمارسون يوميا ، وكم أفسدوا في حياتنا ، ألا ترون النعمة في وجوههم ، والنقمة في وجوهنا .

هؤلاء هم سبب عرقلة إصلاحاتنا ومسيرتنا ، فهم يحاربوننا في انتماؤنا ومحبتنا لقيادتنا الهاشمية، و يسلبوننا كرامتنا ولقمة عيشنا ، إنهم يحرقون كل ما تزرع قيادة الوطن قبل أن ينبت ،و يجهضون كل الإصلاحات قبل أن تبدأ ، وكان يفترض على اللجنة الملكية لترسيخ النزاهة أن تبدأ بهؤلاء وتعلمهم أبسط مبادئ النزاهة ، مع يقيني أن أيّمانهم التي التي أقسموا عليها قد نكثوا بها ، فماذا ستغيّر بهم منظومة النزاهة .