أجواء الحرب الأهلية الإسبانية التي نعيش
ياسر ابوهلاله
15-09-2013 06:37 AM
نجحت الثورة المضادة في العالم العربي في تحويل حالة التغيير التي شهدها العالم العربي إلى حالة انقسام وفوضى، وصولا إلى حرب أهلية حقيقية. ولم يكن ذلك لينجح لولا وجود قابلية لدى المجتمعات. وهذه الحرب الأهلية لا تعتمد أساسا على الانقسامات الطائفية والعرقية بقدر السياسية. فتجد في العائلة الواحدة من يعتبر أن مرسي منقذ الأمة ومن يجادل أنه سبب خرابها. وهذا ليس في إطار تنوع يثري المجتمعات بل في جو من الكراهية والتناحر والاحتراب.
قد تكون الثورة السورية استثناء، إذ شكلت الطائفية العامل الأساسي في الانقسام، وهذا يعود إلى النظام وحلفائه الذين اعتبروا أن المعركة هي معركة الشيعة وآل البيت بقدر ما هي معركة المسيحيين والأكراد في مواجهة العرب السنة. وقد لعب رجال الدين في الجانبين دورا غير محمود في تكريس الانقسام الطائفي، لا يختلف هنا بشارة الراعي عن حسن نصرالله عن الشيخ العرعور.
في تونس المجتمع عربي مسلم سني على المذهب المالكي، لكن حدة الانقسام غير مفهومة. خصوصا أن الفرقاء السياسيين حققوا تفاهمات فكرية وسياسية تاريخية في ذروة دكتاتورية بن علي. وإلى اليوم لا توجد وثيقة سياسية عربية ترقى إلى ما توصل إليه التوانسة في وثائق 18 أكتوبر التي تم التوصل إليها في 2005 . حسمت تلك الوثائق الخلافات بين الإسلاميين والعلمانيين في قضايا المرأة والديمقراطية والهوية وغيرها من صواعق تفجير.
في الثورة التونسية، انخرط الجميع في المواجهة، وبعد الانتصار تمكن الفرقاء مرة أخرى من صياغة قانون انتخابات توافقي يحابي الأقليات السياسية. وبعد نجاح النهضة الكاسح قدمت أنموذجا فريدا في الشراكة والتعاون مع حزبين علمانيين. ودخلت في مواجهة مع السلفية الجهادية، مع أنها تنتمي إلى فضائها الفكري، وهي أصلب في التحالف وأكثر حضورا جماهيريا لو اختارت النهضة التحالف معها.
من يتابع المشهد التونسي اليوم يجد الاحتراب في أوجه، وكأن كل الماضي النضالي المشترك لم يكن. انقسام ينذر بحرب أهلية خصوصا بعد اغتيال معارضين سياسيين، وجاء الانقلاب المصري الدموي ليذكي هذا الصراع بدلا من أن يعيد الرشد للعمل السياسي. لكن من الواضح أن قوى كثيرة إقليمية ودولية تسعى لتخريب النموذج التونسي، ناهيك عن الخليج، لا يقبل جنرالات الجزائر انتقال عدوى الديمقراطية مهما كلف الثمن. لكن العامل الخارجي وحده ليس كافيا لولا ثقافة الكراهية والاحتراب التي صنعها الإعلام والنخب السياسية والفكرية.
الوضع في مصر أكثر مأساوية، فالأكثر إيلاما في ذكرى مجزرة رابعة أن تجد من لا يتعاطف مع الضحايا بوصفهم بشرا ويتحدث بلغة استئصالية تورط فيها مطرب مثل علي الحجار في أغنيته "احنا شعب وانتو شعب"، وهو ما سمته افتتاحية النيويورك تايمز، أمس، نهج "التدمير الذاتي"، داعية إلى قطع المساعدات عن حكومة الانقلاب.
كل ذلك لا يعطل عجلة التاريخ، في إسبانيا قتل مليون إنسان في حرب أهلية في بلد توحد على أساس الكاثوليكية. لكنه انقسم سياسيا بين ملكيين وجمهوريين، انخرط في تلك الحرب اليسار العالمي، وفي المقابل وجد الجنرال فرانكو دعما عالميا أيضا. بالنتيجة انتصرت الديمقراطية. المطلوب أن تتعظ الشعوب العربية من تلك الحرب، ولا تكررها. أو على الأقل توقف الخسائر إلى هذا الحد.
yaser.hilala@alghad.jo
الغد