لا ثورة قطعوا ولا دولة أبقوا!!
خيري منصور
15-09-2013 06:34 AM
بعيداً عن حكاية الغراب سواء أراد تقليد مشية الحمامة أم هديلها، فالتاريخ أشد تعقيداً من كل الحكايات، لأنه ماكر أولاً وفيه كمائن لا تحزرها حتى زرقاء اليمامة، لقد تشكلت الدول باقانيهما الكلاسيكية المعروفة خلال قرون وأحياناً خلال ألفيات، وعلق بها الكثير من الصدأ الذي يعوق مفاصلها عن الحركة وهو ما يسمى بيروقراطية الدولة العميقة، لكن ليس بالمعنى المتداول اعلامياً الآن عن مفهوم العمق في الدولة.
وفي ثقافة اختزالية طالما حذفت الأبعاد كلها لصالح بعد واحد مرئي بالعين المجردة، فان الخلط كان متوقفاً بين مصطلحي الدولة والنظام، فبدت المسالة كما لو أن الثورة تستهدف الدولة بكل مكوناتها وتسعى الى تفكيكها لاقامة بديل جديد لها، لهذا كان من أوائل الضحايا في الحراكات العمياء والباحثة عن بوصلة متاحف ومعابد وبنوك ومؤسسات دولة مما يذكرنا بردود الأفعال المبالغ فيها والتي أعقبت الحقبة الستالينية في روسيا، حيث شرع البعض في تهديم عمارات وخلع سكك حديدية لأنها شيدت في زمن ستالين، لكن سرعان ما أدرك الناس أن تلك المنشآت هي ملك لأجيالهم، وهذا ما تنبه اليه جمال عبدالناصر عندما رأى بعض الضباط يتورطون بمثل هذه المراهقة السياسية، ويضعون أسماء كتاب وفنانين في قوائم سوداء لأنهم عاشوا فترة ما قبل الثورة وكتبوا وغنوا فيها ومنهم أم كلثوم التي أصدر الضابط «كيلاني» عندما كان مديراً للاذاعة بعد يوليو أمراً بمنع أغانيها، فكان تعليق عبدالناصر المشهور هو: خذ فأساً أو جرافة يا كيلاني وأهدم الأهرام لأنها شيدت قبل الثورة، أو أوقف النيل عن الجريان لأنه كان يجري ايضاً قبل الثورة.
لقد أدى الخلط بين الدولة والنظام إلى حالة من العمى السياسي الذي نرجو أن يكون مؤقتا، وتوهم البعض أن بمقدورهم البدء من أول السطر في التاريخ وكأن كل ما مضى انتهت صلاحيته لم تهدم ثورة اكتوبر الروسية قلاعاً ومعالم باذخة أنجزت في زمن القياصرة ولم تهدم الصين سورها أو المدائن المحرمة لامبراطورها الأخير عندما شرعت في ثورتها الثقافية، لأنها لو فعلت ذلك لانتحرت!
ما نخشاه هو أن العربي الذي أفقده فائض الكبت رشده السياسي يتحول الى مُنَبت، بحيث لا دولة أبقى ولا ثورة قطع، لهذا فنحن في العالم العربي مهددون بفراغ يشمل مناحي الحياة كلها، بحيث لا تتوقف المساعدات والمديونيات عند دولة كبرى أو بنك دولي، بل تشمل الثقافة وترميم الآثار والزراعة والصحة، لأن هاجس السلطة وجنونها ينسي البعض أنهم سوف يصحون في اليوم التالي على أطلال وخرائب في عواصم تعج بأحصنة من خشب!!!
الدستور