المبادرة النيابية والرصاص المرتد
د. باسم الطويسي
14-09-2013 04:42 AM
كل يوم، يدفع المجتمع الأردني ثمن الأطر التشريعية التي تحكم الحياة السياسية، وفي مقدمتها قانون الصوت الواحد الذي يمضي في تهشيم مؤسسات الدولة السيادية، بعدما فعل ما فعل بالمجتمع؛ فالرصاص الذي لم يتوقف بسبب هذه الحالة، ارتد ووصل إلى مجلس النواب نفسه.
أتت حادثة الرصاص التي هزت المجتمع، وجعلت المجلس الكريم على رأس أخبار المفارقات في وسائل الإعلام العالمية، في الوقت الذي تسجل فيه مجموعة صغيرة من النواب اختراقا مهما في آليات تعامل النواب مع الشؤون العامة؛ وهو الاختراق المتمثل في المبادرة النيابية التي طُرحت منذ عدة أسابيع من قبل 14 نائبا، من المتوقع أن يرتفع عددهم إلى عشرين نائباً. وتسعى المبادرة الى وضع خريطة طريق لعدد من السياسات العامة، على رأسها إعادة هيكلة الإنفاق العام، وترسيخ دور القانون، وإصلاح التعليم والإعلام، وتنمية المحافظات.
إلى هذا الوقت، تعد المبادرة النيابية محاولة اختراقية ذكية لرتابة الحياة البرلمانية، ومحاولة جريئة للخروج من حالة العدمية واللاجدوى التي تسيطر على شعور الناس تجاه البرلمان والنواب؛ فهي المحاولة الأولى التي يقترب فيها فريق نيابي من أولويات المجتمع، حينما يطرح نفسه شريكا في صنع السياسات العامة، وليس مجرد متلق لنتائج هذه السياسة، أو حتى مجرد مراقب لها. وبهذا، يقترب هذا الفريق من واحدة من أهم وأعقد مسائل الحكم.
يقوم فريق المبادرة بسلسلة من الإجراءات والتحركات المدروسة والواثقة؛ فقد قام أعضاؤه بتسليم وثيقة المبادرة مكتوبة إلى الملك، وإلى رئيس الوزراء. وفي الوقت الذي من المفترض أن يبدأ فيه الفريق مفاوضات قريبة مع الحكومة حول ما تقدمه المبادرة من عناوين للسياسات العامة، يقوم الفريق النيابي، مع شركاء من خبراء ومتخصصين، بالتحضير لعقد مؤتمرات متخصصة، في محاولة لتطوير سلسلة من السياسات العامة الإصلاحية في مجالات التعليم العام، والتعليم العالي، وربما الإعلام، وتنمية المحافظات، ودور القانون.
تتفق هذه المبادرة مع الاتجاه العالمي الجديد الذي يدعو إلى ضرورة وأهمية توسيع قاعدة المشاركة في عمليات صنع السياسة العامة، حتى يمكن إضفاء سمة التفكير الاستراتيجي على صانعي القرار؛ وكذلك ضرورة إخراج صناعة السياسات العامة من قبضة حفنة صغيرة من المسؤولين.
وبالمناسبة، قد يقول قائل: ما الجدوى إذا ما أضيف ما سيخرج به النواب إلى ظاهرة أخرى تعمقت في السلوك العام للإدارات الحكومية حيال سياسات الإصلاح، وهي ازدحام الاستشارات والدراسات والخطط والاستراتيجيات التي يوكل إعدادها لشركات ومكاتب استشارات من القطاع الخاص المحلي والدولي، لكنها في معظمها لا ترى النور؟ اليوم، نحن أمام شكل مختلف تماما على صعيد اقتراح إصلاح السياسات العامة. والفرق يكمن في وجود إرادة سياسية، تبدو في دعم ملكي للمبادرة، وتفهم حكومي.
كما أن المبادرة تطرح روحا جديدة من الشراكة والمشاركة الواسعة، وفوق ذلك الشرعية التي تتمتع بها الجهة التي تطرحها.
لا توجد فرصة ثمينة أمام الحكومة أكثر من هذه الفرصة، لبناء شراكة فاعلة مع المجلس، ولو على أقل تقدير في هذه الظروف الاستثنائية التي أكثر ما تحتاج فيها البلاد إلى توفير الحد المعقول من التوافق الوطني. وكذلك، لا توجد فرصة أثمن أمام المجلس الذي تتآكل مكانته وشرعيته كل يوم، لدعم هذه المبادرة والتوحد خلفها. والأهم من ذلك هو أن تتمتع السياسات الإصلاحية المنتظرة من المبادرة، مهما كانت جريئة، بالرشد والواقعية؛ وهذا هو الرد على الرصاص المتطاير تحت القبة.
basim.tweissi@alghad.jo
الغد