آخر ما خطر ببالي وأنا أدخل مجلس النواب السادس عشر نائبا، أن غاية المنى في الإصلاح البرلماني ستكون تحجيم البلطجة والسيطرة على الانفلاتات السلوكية الشائنة.
كنت أفكر في أمور مثل تقوية الدورالرقابي للمجلس، وجعل العملية التشريعية أكثر حرية وفاعلية وكفاءة وارتباطا بمصالح الشعب. كما كنت أفكر في تقوية سلطة المجلس وسلطة النواب كممثلين أحرار للشعب، لا تحدهم حدود ولا تكبلهم قيود.
لم يخطر ببالي أنني سأنتهي إلى المطالبة بوضع قيود وتسييج حدود، وتسطير عقوبات لردع مظاهر فتوة وتجاوزات سلوكية تعكس ثقافة موجودة في المجتمع، لكنها أيضا تعكس انحرافا بالنيابة للاستقواء وفرض السطوة والنفوذ غير المشروع، وبسط اليد على الامتيازات والمكاسب للمحاسيب، وترهيب المسؤولين وإخضاع قراراتهم لمصالح غير مشروعة.
شاهدنا وسمعنا دائما عن شجارات تحدث في برلمانات دول أخرى، لكن كظاهرة استثنائية نادرة. وقد وقعت في مجالس نيابية أردنية سابقة حوادث محدودة، تكاد تعد على أصابع اليد. أما في البرلمانين السادس عشر والسابع عشر، فإن الشجارات التي أقلها الصراخ وإطلاق الشتائم والتهديدات، قد تحولت إلى ظاهرة عادية متكررة، تُعطي صورة سلبية خطيرة عن فكرة التمثيل الشعبي النيابي الذي هو عنوان الديمقراطية والمشاركة الشعبية. والمؤسف أن الوسط النيابي تعايش مع الظاهرة، والبعض بررها بأن كل برلمانات الدنيا تشهد أشياء من هذا النوع؛ هكذا حتى وقعت الواقعة الفريدة وغير المسبوقة، أي دخول نائب بسلاح رشاش إلى حرم المجلس.
صحيح أن قلة قليلة جدا من النواب كانت طرفا في هذه الشجارات، لكن الانطباع السلبي طغى وأربك المجلس، وحطّم صورته في عيون الناس. والواقع أن أغلب النواب كانوا ينبذون الظاهرة، ويعبّرون في الجلسات الضيقة عن الاستياء الشديد. لكن المجلس، بصورة عامة، أظهر تساهلا قاتلا في مواجهة الظاهرة، ولم يجرؤ أحد على تعليق الجرس، إلى أن بلغت هذه السلوكيات ذروة متطرفة لم تخطر ببال أحد؛ فانتفض المجلس أخيرا منتصرا لنفسه ولصورته التي هشمتها الرصاصات الطائشة، واتخذ على الفور، وفي اليوم نفسه، قرارات حاسمة غير مسبوقة في تاريخ المجالس النيابية؛ فاستحصل على إرادة ملكية سامية بإدراج القضية على جدول أعمال جلسته في اليوم ذاته، وتم فصل العضو الذي أطلق النار، وتجميد عضوية آخر لمدة عام.
ستبقى الحادثة محفورة في سجل البرلمان الأردني، وستدمغ البرلمان السابع عشر. فالحادثة هي الأولى من نوعها في برلمانات زماننا. وباستثناء دخول عسكر انقلابيين إلى حرم البرلمان في بعض الدول، فإننا لا نذكر أن عضو برلمان دخل مشهرا سلاحا أوتوماتيكيا. لكن وكما يقال، فإن رب ضارة نافعة. إذ كان لا بد أن يصل الأمر إلى حادثة من هذا النوع لنستفيق، ونقرر ونحزم أمرنا. وبالمناسبة، فقد كان الجميع يعلمون، وباستمرار، أن هناك حَمَلة مسدسات تحت القبة. وبعد حادثة سابقة ظهر فيها مسدس، تم الهمس بضرورة منع ذلك، لكن شيئا محددا لم يحدث. والآن، نقرأ –برضى– عن إجراءات جديدة وحديثة للغاية للرقابة، لن تسبب أي إعاقة لحركة الدخول والخروج.
لم أكن أرتاح لفزعات الصلحة عقب كل "طوشة" أو تلاسن عنيف أو مشاجرة. ومع التقدير للجهد الكبير والنوايا الطيبة والنبيلة للزملاء النواب، فإن هذا الأسلوب الوحيد المعتمد؛ بتبويس اللحى وعفا الله عما مضى، كان يعني الاستسلام لهذه الظاهرة وقبول استمرارها وعدم مواجهتها. وكان الأصح هو وضع الأنظمة والضوابط الدقيقة لردعها والمحاسبة عليها.
الآن، الفرصة قائمة ونحن نناقش التعديلات على النظام الداخلي لمجلس النواب. وسنرى ما إذا كان سيتم إدراج إجراءات وعقوبات رادعة في هذا النظام.
jamil.nimri@alghad.jo
الغد