بقدر أهمية المدن الصناعية، هنالك أهمية كبرى في اختيار مواقعها ومواصفاتها وبنيتها التحتية، وفي كثير من الأحيان يكون مصطلح البؤر الصناعية أكثر ملائمة من مصطلح المدن الصناعية، حيث اختلاف المقومات التي على أساسها يتم اختيار المكان المناسب، فلا يجوز أن يخرج علينا أحدهم ليقول نريد مدينة صناعية في كل محافظة كما تكرر ذكر ذلك مؤخرا، ليبدو الأمر وكأنه مجرد إسكات لأهالي المحافظات أو استرضائهم، فهنالك أسس لابد من مراعاتها قبل اتخاذ قرار إنشاء مدينة أو بؤرة صناعية، فالمدن الصناعية تقام قرب الموانيء البرية والبحرية والجوية لسهولة المناولة، أو بالقرب من مصدر المواد الأولية للصناعة المراد إنشاؤها لخفض تكاليف النقل، وما إلى ذلك من أسباب ومقومات كتوفر الأيدي العاملة الإدارية والفنية وتقبل المجتمع المحلي لمنتج الصناعة المعنية، أما البنية التحتية للمنطقة الصناعية فلا بد وأن تتوائم مع حاجة الصناعات المنوي إقامتها.
إن التنوع في مشاريع المحافظات بناء على ميزاتها التنافسية يضفي لكل محافظة ميزة أخرى قد تجعلها مقصدا لنوعية معينة من الزوار فمدينة ميلانو الإيطالية مثلا شكلت عبر سنوات عديدة قبلة لتجار العالم ممن يهتمون بتجارة الرخام والسيراميك والأدوات الصحية وهنالك أمثلة كثيرة على مدن ومناطق عالمية اشتهرت بصناعة معينة أو بمرافقها السياحية سواء الترفيهية منها أو الدينية أو العلاجية أو بمنتج زراعي معين وما يتبعه من صناعات غذائية، فلماذا لا يكون الأمر كذلك في مملكتنا فتكون معان مثلا مركزا للصناعات الزجاجية وجرش مدينة سياحة أثرية وترفيهية إلى آخر قائمة المحافظات وما يمكن أن يميزها من مشاريع تنموية حقيقية وكبرى في قطاع الصناعة والخدمات والزراعة والسياحة، تستخدم القوى العاملة والموارد الطبيعية للمنطقة فتوفر فرص العمل لأبنائها، وتضيف رقما لدخلنا القومي إضافة إلى مراكز تدريب ملحقة بتلك المشاريع توفر حاجتها من الطاقة البشرية المؤهلة والمدربة، وحتى يتحقق ذلك لا بد من قيام أجهزة الحكومة المركزية بالدراسات والمسوحات اللازمة لرسم ما يمكن تسميته بخارطة المملكة التنموية بالتعاون مع المجتمع المحلي ودوائره ومؤسساته، لا أن تكتفي بمقولة ( أهل مكة أدرى بشعابها ) وتترك الأمر بأيدي المجالس التنفيذية والإستشارية، على أهمية آرائها، فلم يعد الأمر كذلك والطائرات الحديثة والأجهزة المتطورة تستطيع كشف ما تحت أقدامنا دون أن نتمكن نحن من رؤيته.
ما يبذل من جهد في تنمية حقيقية للمحافظات ما هو إلا لبنة في البناء الاجتماعي والاقتصادي للمملكة، ولا بد من تظافر كل الجهود وكل مؤسسات الدولة لإنجاح هذا التوجه وقد يكون للبلديات دور أساسي في تملك بعض المشاريع تنمية لدخلها وتفريغا لحمولتها الزائدة من موظفين بعد تدريبهم وتأهيلهم للعمل في تلك المشاريع.
mustafawaked@hotmail.com
الرأي