المشاجرة التي جرت لم تكن الاولى وان كانت فيها سابقة استخدام السلاح، فالمجلس شهد خلال الفترة الماضية عدة مشاجرات وتهجم لنواب على نواب. وفي بعض الدورات السابقة وصل الامر الى الايذاء البليغ والجسدي.
قرار مجلس النواب بحق النائبين يفي الى حد ما بالغرض المطلوب لغايات فرض المجلس لمحددات لسلوك النواب داخل قبة البرلمان وخارجه، والسكوت على تصرفات وسلوكيات عنيفة لنواب في اوقات سابقة ربما ساعد في ان تصل الامور الى هذه المرحلة.
حل مجلس النواب ليس خيارا مقبولا في ظل مثل هكذا اشكاليات والمطلوب هو مثل هذه القرارات التي اتخذها المجلس لتصبح نهجا ومحددا لسلوك الجميع ونهجا للمؤسسة البرلمانية والتشريعية، كان سيكون حل المجلس ضرورة لو ان المجلس تأخر عن اتخاذ مثل هذه القرارات، لان هذه الحادثة وطبيعة التعامل معها لن يقف اثرها عند حد قبة البرلمان، وإنما كان سيمتد الى اروقة اخرى تشمل كافة مناحي حياتنا اليومية.
صورة الاشتباك العنيف لم تعد ظاهرة طرفية في مجتمعنا بعد ان اصبحت جزءا من مشهد جلسات النواب ثم انتقلت لتصبح مشهدا من مناظرات المثقفين والناشطين وبعض الحزبيين على شاشات التلفزة المحلية. بل وصل الامر ان تحتفل احدى الجهات بان قام احد المحاورين بالتهجم على المحاور الاخر.
الديمقراطية بأبسط مفاهيمها ليست انتخابات فقط وإنما سلوك سياسي واجتماعي وإذا كانت هذه السلوكيات المرتبطة بالعنف التي باتت تتصدر مشهد الحورات والنقاشات في اماكن ممارسة الديمقراطية اصبحت ظاهرة متكررة وغير مدانة ولا يوجد اي رد رادع لها فأي سلوك ديمقراطي نريد ان نصدره للمجتمع وللشباب.
والذهاب الى مهاجمة المؤسسة البرلمانية في مثل هذه الحالات والمطالبة بحلها ليس من الديمقراطية، فالديمقراطية لا يمكن لها ان تغدو ممارسة والية بدون الجانب المؤسسي وبدون برلمانات فاعلة وبدون تعزيز سلطة القانون والتشريع.
مجلس النواب استطاع عبر سلسلة الاجراءات التي اعقبت المشكلة ان يقدم درسا جيدا في الديمقراطية وفي تعزيز سلطة التشريع واستطاع ان يتخذ قرارا مؤسسيا من خلال تفعيل دور اللجان المختصة والأخذ بقراراتها ومناقشتها ومن ثم التصويت عليها. وسيشكل مثل هذا السلوك بارقة امل في مواجهة مثل هذه الاشكاليات.
مثل هذه الحوادث تحدث، لكن العبرة هي بالاستفادة منها لصالح تعزيز الممارسات الديمقراطية والمداخل اليها، وربما يعيدنا ذلك للتفكير مليا في قانون الانتخابات وفي اهمية ان يستند الى مؤسسات حزبية تشكل ضوابط على سلوك ونقاشات اعضائها داخل قبة البرلمان. بالإضافة الى تعميق التفكير في كل ما يتصل بتعزيز ضوابط الاداء والسلوك في النظام الداخلي الذي تجري مناقشته بين اعضاء المجلس حاليا.
حل مجلس النواب او المطالبة بحله ليست الخيار الامثل لمواجهة تداعيات المشاجرة التي وقعت في اروقة مجلس النواب، وليس من المعقول كلما حدثت حادثة ان نذهب للتفكير بحل مجلس النواب او محاولة التهجم عليه كمؤسسة. فهذا النهج ليس من شأنه ان يعزز المؤسسية ولا المسار الديمقراطي.
(الراي)