عقوق المؤسسات حيال الأوراق الملكية
عمر كلاب
10-09-2013 04:06 PM
الترحاب الذي استقبلت به المؤسسات الرسمية اوراق الملك النقاشية يمكن وصفه بالترحاب غير المُنتج بعد ان دخلت الاوراق متحف الحياة السياسية الاردنية وادراج المؤسسات العامة من وزارة التنمية السياسية الى ادراج لجان مجلس النواب وكذلك مجلس الاعيان , في حين اكتفت مؤسسات المجتمع المدني بحوار خجول فيه من الاستعراض اكثر ما فيه من الانتاجية السياسية ومارست وسائل الاعلام بدورها نفس الاسلوب التاريخي في التهليل للاوراق دون محاولة نقاشها باستفاضة وممارسة الضغط لتحويل الاوراق الى برامج عمل .
الاوراق الملكية حملت عنوانا مثيرا بوصفها اوراق نقاشية وليست توجيها ملكيا , بمعنى ان الملك اراد ان يستثير العقول المحلية لتوفير قاعدة للحوار العام ومن ثم الوصول الى التوافقات المطلوبة , والنقاش يعني قبول بعض الافكار وتطوير بعضها او تثقيفه وتأجيل بعضها لحين إنضاج الظرف الموضوعي للمجتمع , لكن غالبية المؤسسات الرسمية والمدنية آثرت كعادتها الصمت الاقرب الى العقوق , تحديدا من الجهات الرسمية التي لم تشكل خلايا نقاشية في العاصمة والاطراف , فلم نسمع عن لجنة نيابية فتحت حوارا او حتى عن نائب او كتلة اجرت مراجعة للاوراق , واكتفت الحكومة واركانها الاعلامية والسياسية بالتصفيق للاوراق وكأن الاوراق بحاجة الى تطبيل وتزمير فقط .
الملك من خلال اوراقه النقاشية كشف عن رؤيته لمسيرة الاصلاح وعن شكل نظام الحكم القادم والياته , بل ومدى الصلاحيات التي ستنتقل الى السلطتين التشريعية والتنفيذية اي ان الملك قدم خطوة مهمة وكان على القوى السياسية ان تتقدم بخطوتين لا بخطوة واحدة , لأن من يملك آثر ان يتخلى عن مجموعة من صلاحياته لإنضاج الحالة السياسية فكان الطرف الآخر يقول بشكل واضح لست جاهزا ولست قادرا على تحمل هذه المهمات , مكتفيا بالوقوف في مربع الانتقاد او مربع الاختباء .
مربع الانتقاد كعادته افترض الاوراق محاولة لشراء الوقت او محاولة لتحسين الصورة الكلية للدولة , وغاب عن عقله ان الاوراق لو كانت تحمل اية ظلال مما قال او تلكؤ لحملت توقيعا غير توقيع الملك ولما الزم الملك نفسه بهذه الخطوط الطولية والعرضية , لكن اعضاء مربع الانتقاد ينسون او يتغافلون عن حقيقة باتت ساطعة انهم يملكون برنامجا للنقد ولا يملكون عقلا للتوافق او الادارة وهذا ما كشفت عنه مسلكيات النخبة السياسية في مربع الانتقاد .
بدوره عبّر مربع الاختباء عن خوفه المزمن من حمل الوزر كاملا لان الصلاحية الكاملة تعني المساءلة التامة , وهذا ما يخشونه دون ادنى شك , فمسلسل الاختباء خلف الملك مسلسل مثير بالنسبة لهم بحيث يأخذون القرار ويستفيدون منه ويهربون عند اول منعطف اما بهمزة او بإيمائة من رأس , وتلك الهمزة او الايماءة كافية لتنتقل كالنار في هشيم صالونات النميمة الرسمية , وتستمر لعبة الولاية العامة في مسلسلها الطويل مع الفواصل الدعائية التي يُنتجها الرؤساء السابقون واعضاء فريقهم الوزاري الذي يتحول الى صقر بعد المنصب .
اركان النخبة السياسية في مربعي الاختباء والانتقاد اثبتوا اننا بلد الفرص السياسية الضائعة , لكن ليس بسبب الحكومة وحدها او مماطلة الدولة فقط بل لان العجز طال حتى المفاصل البديلة التي تستمرئ الاختباء وكأن لا تعرف من المهارات السياسية سوى مهارة الاختباء او لعبة “ الغُماية “ فهي اما تختفي خلف الملك بالنسبة للنخبة الرسمية او تختبئ خلف جبهة العمل الاسلامي بالنسبة لمحترفي الاعتراض , وهذا الامر اوصلنا الى الثنائية الحادة بل والقاتلة في السياسة وجعل الجماعة وانصارها يعتقدون انهم ندّ للدولة وليسوا جزءًا منها او حزبا فيها .
الواقع الاقليمي يفرض ايقاعه الآن على كل الاقطار ونحن الاقرب الى النار من الاخرين ومع ذلك لا يتقدم احد لانتاج حالة توافق وطني تؤهلنا لاجتياز حرائق الاقليم وما زالت اوراق الملك النقاشية قادرة على تحقيق هذا التوافق ولكنها بانتظار من يُبادر ؟
omarkallab@yahoo.com
"الدستور"