تعديل حكومة رئيس الوزراء الثانية والتفرد باتخاذ القرار
د . عودة الله منيع - القيسي
التعديل الاول الذي أجراه الدكتور عبد الله النسور على حكومته الثانية - عليه ملاحظتان كبيرتان :
الاولى : أنه لم يعين له - نائبا .
الثانية : أنه لم يعين ولا واحدا من اعضاء مجلس النواب .
فماذا يعني هذا ؟
يعني أن رئيس الوزراء مصمم على التفرد باتخاذ القرار كما هو دأبه , منذ أن عين رئيس وزراء .
لان عدم تعين نائب له يعني انه لا يريد لأحد ان يشاركه في اتخاذ القرار ؛ لأنه لو عين نائب رئيس .. فلا بد , او على الاغلب , ان هذا النائب لا يرضى ان -يهمش- وانما يطالب بأن يستشار , وأن يكون لرأيه اعتبار ( وقد حدث قبل حوالي عقد ونص ان استقال الاستاذ ذوقان الهندواي , عندما كان نائبا لرئيس الوزراء , لان رئيس الوزراء - همشه . ولا ريب ان هذا من الاسباب التي تقصر في مدة خدمة رئيس الوزراء , في منصبه ) .
ولم يعين رئيس الوزراء وزراء من النواب , لان النائب ينتمي الى كتلة ولذا .. فهو مدعوم من كتلة . ولذا .. لا يقبل بالموافقة على اي قرار يتخذه رئيس الوزراء , وهو غير مقتنع به . فاذا كان النواب الذين دخلوا الوزراة مثلا ثمانية , وكانوا من ثماني كتل او ست كتل , ثم اختلف رئيس الوزراء مع بعضهم , وقرر باقالته لشهوة التفرد باتخاذ القرر , فانه من باب الاحتمال الكبير .. أن يستقيل كل الوزراء النواب , تضامناً مع زملائهم , واحساساً بما ادى برئيس الوزراء , باقالتهم هذا البعض . عندئذ .. كما يعرف كل عاقل ان الكتل التي منها هؤلاء الوزراء , وعددهم غالباً اكثر من نصف اعضاء مجلس النواب سيطلبون عقد جلسة , لطرح الثقة في الحكومة . والذي لا شك فيه انهم سيسقطونها .. لهذا تجنب رئيس الوزراء تعيين اعضاء في الوزارة من النواب .
أما سائر الوزراء الذين يعينهم رئيس الوزراء بالاتفاق مع جهة اتخاذ القرار السياسي .. فانهم ياتون , اساساً , وقد حددت لكل منهم مهامة , فلا يملك ان يتجاوزها ,. ثم .. كل منهم يعلم انه – اذا وَقَفَ مناقشاً رئيس الوزراء , ومخالفاً رايه , فانه سيخرج من الوزارة , في اول تعديل . ولذا .. فهو يحاول جاهداً أن يرضي رئيس الوزراء , ولا يخالفه ..
وبهذا التخطيط يطمئن رئيس الوزراء انه –متفرد– باتخاذ القرار .
مقابل هذا النهج , أنا أرى ان الوعي الهائل الذي ملأ نفوس الناس , مثقفين , ومفكرين و وعاديين وعيَهم بوجوب سيادة اليمقراطية , والحرية والمساواة , والعدل , واتخاذ القرار بالاغلبية الجماعية ,, متقدم على هذا النهج التفردي الذي ينتهجه رئيس الوزراء ..
ما المخرج من ذلك ؟
المخرج –كما أراه– ان جلالة الملك , بصلاحياته الواسعة , عندما يعين رئيس وزراء – ي رئيس وزراء– أن يعين الى جانبه نائباً للرئيس تعييناً , وأن يكون للنائب وصف وظيفي تحدد فيه صلاحياته , ومشاركته في عمل مجلس الوزراء . وأن يتضمن ذلك الدستور او القانون . ولا ضير أن مثل هذا .. غير جارٍ في السابق , لأن المرحلة الجديدة تختلف عن المرحلة القديمة , ولأن الوعي الذي ملأ نفوس الناس .. ينزع بهم – بالحاح – الى عدم تفرد احد باتخاذ القرار , لما لذلك من اضرار .
وان يعين رئيس الوزراء نصف الوزراء من النواب , موزعين على الكتل . ولا ينفع ان يغض النظر عن تعيين نواب وزراء , حتى تكبر الاحزاب ( الذي قد لا يكون كبرها قبل ربع قرن ) ثم لا ينفع أن يشكل الحزب الحائز على الاغلبية – في مجلس النواب أو الحزبان المتحالفان – الحكومة . ( علماً اني لا أرى أن يشكل الحزب الفائز او الحزبان المتحالفان الحكومة – خلافاً للغرب – لماذا ؟ - لأن الاحزاب , عندنا , ايديولوجية , والحزب الحاكم أو الحزبان – يقصدان أن يغيرا – بِنية – المجتمع , تبعاً للأيولوجية . أما الأحزاب , عندهم , فخدماتية –إصلاحية , فلا تغيير – لبنية – المجتمع سواءٌ – أفاز الحزب الديمقراطي – في أمريكا , مثلاً – أم فاز الحزب الجمهوري – وأمامنا دليل واقعي لا يكذب ؛ فقد سقط حكم الحزب الواحد في مصر , ونحن نرى الجرائم التي يرتكبها الحزب الواحد في سوريا , وسيسقط كذلك في تونس ) .
نحن ننظر الى الواقع الناجح الذي يقود الى مستقبل ناجح . وهذه النظرة تقتضي أن يكون نصف الوزراء من كتل النواب – بنص الدستور و القانون . وهذه النظرة هي التي تتماشى مع وعي النفوس- وان يكون نصفهم الآخر – لا من هؤلاء الوزراء – المملى عليهم , والمستلبين , وأنما عن طريق مشاركة جميع الاحزاب , والتجمعات , ولو على دورات وزارية , لا دوراة واحدة – ان هذه المرحلة الانتقالية او التي يراد لها ذلك , بما يعمرها من وعي – تستوجب مثل هذه الحكومات المتنوعة الممثلة لجميع الاطياف والتجمعات , حتى ننهض ببلدنا , ونرضى شعبنا , ونصل الى برّ الامان . ثم .. أن تتخذ القرارات , بعد النقاش , باغلبية الاصوات – يضاف الى هذا .. أن تكون هذه المؤسسية متبعةً في الوزارات والدوائر – كل مسؤول يساعده لجنة من مسؤولي الوزارة او الدائرة , في اتخاذ القرار بالأغلبية – ايضاً . ولا يجوز أن ينحني احداً منهم – لخلاف معه – وانما تبتّ في الخلاف المحكمة الدستورية .
بهذا .. نخرج من دائرة نهج القرار – الفردي – الذي يساوي نهج الدكتاتورية والاستبداد والفساد , وعدم الحرية الفعلية وعدم العدل والمساواة والانصاف – ويساوي عدم قيام القرار الجماعي الذي ياتي من رأي الاغلبية , بالتصويت , وهو اصّح من رأي الفرد .
والحق .. أن الفساد الاكبر .. ليس احتياز المال العامّ او المال الخاصّ , بأيّ طريقة من الطرق الشيطاينة . وليس تعيين من لا يستحق واقصاء من يستحق , ولا وضع الشخص في المنصب الذي لا يستحق عن طريق الواسطة والمحسوبية , والرشوة , وما تتبعه الماسونية
من أساليب , هذان النوعان من الفساد - كلُّ منهما فساد - كبير .
ولكن ليس هو - الفساد الأكبر – انما الفساد الأكبر - هو التفرد - باتخاذ القرار !! ( وهذا ينطبق على كل الدول العربية , ودول العالم الثالث . اما العالم الاول فهو يعمل بذلك ) .
لأن احتياز المال العامّ .. يخسر البلاد – حوالي عشرين بالمئة – من دخلها ؛ ولان وضع الموظف في المكان الذي لا يناسب يخفض من الانتاج – بنسبة عشرين الى ثلاثين بالمئة .
اما – التفرد – باتخاذ القرار – فيجعل شخصا واحداً , بأهوائه , ورغباته , وتوجهاته , بلى وبقدراته العقلية المحدودة , مهما كان . من دون دعم العقول الاخرى , وحتى لو كان عبقرياً , وما أقل العباقرة !
اما هذا التفرد فهو الذي يقود الوطن ايَّ وطن الى – الدمار – لان التفرد باتخاذ القرار – يلغي الديمقراطية الحقة , ويلغي الحرية والعدل والمساوة , ويكرس نهج الاستبداد والفساد . وذلك .. ما يجعل نفوس الناس – تنكمش – تنطوي على شعورها بالظلم والفساد , وعدم استقلال الرأي , فلا يكون انتاج مُرضٍ , ولا يكون اخلاص للعمل , بل ولا يكون ابداع – فيدخل المجتمع في طور من الانحطاط النفسي , والاخلاقيّ , والابداعيّ , والفكريّ . وهذا .. هو الخراب والدمار .
ان تحول منهج الحكم الى التشاور والنقاش , واتخاذ القرار – بالاغلبية – على جميع المستويات .. يرتفع بالبلاد الى التحضر والازدهار : تنطلق – الحرية والمساواة , والادارة الحكيمة – الى الابداع والابتكار , والى انتهاء العَوَز والفقر والجوع , والى أن تصبح الفوارق بين طبقات المجتمع فوارق محدودة , بحيث لا تكون الطبقة الغنية تطاول السماء , والطبقة الفقيرة تغوص في اعماق الغبراء .. ان اتقاذ ايِّ مجتمع لا يكون بغير ذلك . ان الاستبداد بالرأي والاجراءات الذي تجذر نهج عهود الظلام .. لا تصلح به حياة , ولا يُبقي على كرامة , ولا يزيل جوعاً وفقراً وظلماً , وهده تساوي كفراً .
واذن .. فان مطلب – الغاء – التفرد بالقرار , بما اسلفنا من اقتراحات , ومن تحليل – هو مطلب عاجل – عاجل .. لا يحتمل الارجاء .