عمون - اسرائيل اليوم - البروفيسور ابراهام بن تسفي:9/9 ..(المضمون: إن الرئيس الامريكي باتجاهه الى مجلس النواب لبت مسألة التدخل العسكري في سوريا جعل نفسه هو والبيت الابيض رهينتين لقرار مجلس النواب الآن وفي المستقبل ايضا وهذا يخالف طريقة عمل البيت الابيض في الماضي).
إن أحد الخطوط المميزة الراسخة في مسار اتخاذ القرارات في القضايا الخارجية والأمنية في ادارات الولايات المتحدة على اختلاف حقبها هو عمل مقر عمل منهجي يجمع الأطر والجهات المختصة ذات الصلة التي تصوغ توصيات للبيت الابيض. ولا يتم هذا المسار في حالات كثيرة في فراغ سياسي واستراتيجي لأن الريح التي تهب من المكتب البيضوي تشير الى وجهة الرئيس وهكذا تُضائل الاختيارات المختلفة للتنفيذ.
وبرغم هذا النهج التقليدي اختار اوباما ألا يستعمل قوته استعمالا شرعيا مطلوبا (وذلك بعد أن أعلن بصورة واضحة عن نواياه ووجه مستويات التنفيذ الى الاستعداد لعملية عسكرية). وبدل أن يفعل ذلك رمى مذعورا بحبة البطاطا الساخنة في عرّيسة الاسد مباشرة المليئة بأعدائه اللدودين في تل الكابتول. إن الاتجاهات التي تلوح في هذه المرحلة ولا سيما في مجلس النواب تشهد بأنه مسار الموافقة على العملية سيكون مزروعا بالألغام التي قد تعوق الاجراء.
يمكن أن نسأل فقط هل الحديث عن باعث مازوكي أم الحديث عن عدم تقدير لطبيعة الاجراءات السياسية التي تتم في ساحته الخلفية. عمل البيت الابيض بتخليه غير المفهوم هذا عن صلاحيته على نحو عكسي تماما لمعيار عمل من سبقوه (الذين لم يخطر ببالهم قط أن يصبحوا – بمبادرة منهم – رهائن في يد السلطة التشريعية)، بل عمل بخلاف طبيعة وماهية مسار اتخاذ القرارات في ادارات الولايات المتحدة على اختلاف حقبها. وقد تم التخلي في المسار الحالي دفعة واحدة عن تراث عمل مقر عمل منظم منهجي وحلت محل ذلك بواعث ذاتية وأهواء.
إن قرار اوباما الدراماتي على أن يقف مثل فقير على باب مجلس النواب الامريكي كان نتاج حوار داخلي أجراه مع نفسه في اثناء تجوال قصير في حديقة الورد. إن هذا القرار الحاسم الذي غطى المسار كله بسحابة ثقيلة من عدم اليقين تكمن فيه معانٍ عالمية كبيرة الوزن بشأن مكانة القوة العظمى الامريكية والثقة بها وبشأن مكانة مؤسسة الرئاسة التي أخذت تضعف.
ولما كان الجهاز السياسي الامريكي هو الذي يصوغ سلوكه على نحو عام فان تحويل مجلس النواب الى لاعب ذي حق اعتراض قد يغير معادلة القوة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وهكذا قد تجد الادارة نفسها في المستقبل ايضا تواجه اعتراضا قويا من مجلس النواب حينما تُطرح للنقاش مسألة استعمال الخيار العسكري لمواجهة طهران، وذلك اعتمادا على "السابقة السورية" التي أحدثها.
وبالنسبة لاسرائيل تقوم الآن علامة سؤال مقلقة لا فوق مبلغ جدية واشنطن وتصميمها على تنفيذ اجراء عسكري حينما تتم الشروط المسبقة لذلك في الجبهة الايرانية فقط بل فوق مبلغ قدرتها القانونية والسياسية على فعل ذلك.
ويثور من الجانب الامريكي سؤال هل نشهد انقضاء عهد تدخل القوة العظمى. بعد انقضاء الحرب العالمية الاولى أحبط مجلس الشيوخ دخول الولايات المتحدة عصبة الأمم (برغم أنه لم يكن للرئيس الامريكي وودرو ولسون آنذاك مسار فرار ما من بين أنياب مجلس النواب)، وأنتج ذلك عقدين من التمايز الامريكي. فهل يسير اوباما ايضا في الاتجاه نفسه؟.