"الإخوان": جماعة دعوية بسلوك سياسي وخطاب انفصالي!
ابراهيم غرايبه
09-09-2013 03:18 AM
تحرك مسائل الدعوة والمفاصلة والسياسة، جدلا داخليا في جماعة الإخوان المسلمين، وفي المجتمعات والسياسة والحكم؛ وتربك "الإخوان" والناس أيضاً. فالإخوان المسلمون اليوم يمارسون السياسة، ويشاركون في الانتخابات النيابية والعامة، كما لو أنهم حزب سياسي. ولكن تشكلهم وتجمعهم قائمين على أساس هيئة إسلامية دعوية تؤثر في الأفراد والمجتمعات والدولة، وليس المشاركة. ثم استبدلت الجماعة بخطابها المؤسس خطابا جديدا انفصاليا استعلائيا، لا يصلح لجماعة ولا لحزب. نحن اليوم أمام مزيج معقد مخيف: جماعة بمحتوى متشدد انفصالي، وتسلك كما لو أنها حزب سياسي! ما المخيف في ذلك؟
المحتوى الفكري الذي تقدمه الجماعة يتناقض مع كونها جماعة مسجلة للدعوة والتأثير في المجتمع والدولة؛ إذ هي تقدم خطابا يرفض القوانين والمجتمعات والمؤسسات، وتعتبرها جاهلية، أو في أحسن وصف: غير إسلامية، وما من إسلام تقوم عليه المجتمعات والدول سوى "إسلام الإخوان المسلمين". ثم إنها تشارك في السياسة على أساس خطاب يقيني رافض، وكأنها في الحقيقة تطلب من الناس أن يتقدموا للانتخابات ويصوتوا على إدانة أنفسهم ومجتمعاتهم ودولهم. وثمة تناقضات بنيوية وجوهرية خطيرة في ذلك!
إذا كانت القوانين المنظمة للحياة العامة والسياسية مرفوضة رفضا قاطعا لأنها "جاهلية"، فلماذا الالتزام المؤسسي بها؟ لماذا لا يفعل الإخوان مثل حزب التحرير الذي يحمل الفكرة نفسها (لا فرق بين خطاب حزب التحرير وبين الخطاب المهيمن اليوم في الإخوان)، فيعتزلوا العمل القانوني المؤسسي في ظل الدولة وأنظمتها ومؤسساتها. وإذا كان الناس يلجأون إلى الانتخابات تعبيرا عن جدلهم وخلافاتهم حول البرامج والمواقف، فكيف يُطلب منهم أن يذهبوا الى الصناديق ليصوتوا لأجل أنظمة وقوانين لا يجوز التصويت عليها ابتداء، ولا يجوز الاجتهاد أمامها؟ فإما أن نتجمع ونتعاقد على أساس اجتهاد عقلاني إنساني لما يجب أن نفعله، وإما أن نسلم أمرنا للفقهاء يتولون أمرنا، ولا حاجة أبدا لانتخابات وأحزاب وتعددية!
المخرج من المأزق بسيط وواضح. فالذين يعتقدون أن ثمة نظاما سماويا للحكم والتشريع، عليهم أن يعتزلوا العمل الحزبي والانتخابات، ويلتزموا دعوة الناس والتأثير عليهم، ويتركوا للناس أن يقرروا الاستجابة لهم أو الإعراض عنهم. وإذا كانوا يعتقدون أن القوانين والمؤسسات المنظمة للحياة العامة والسياسية لا تصلح، وتتعارض مع الشريعة أو أنها كفر وجاهلية، فعليهم أن يعتزلوا العمل المؤسسي الخاضع للدولة وأنظمتها. ولكن إذا أرادوا أن يعملوا بشكل مؤسسي وقانوني، فيجب بطبيعة الحال أن يعملوا وفق هذه القوانين، وأن يحترموها ويلتزموا بها، ولا يتجاوزوها ولا يقوضوها أو يرفضوها! وإذا كانوا يريدون المشاركة في السياسة من مدخل الانتخابات، فذلك يقتضي بالضرروة الاعتراف والالتزام بالعقد الاجتماعي المنظم لهذه المشاركة، والقائم بداهة على العقلانية والأنسنة وعدم اليقين، لأن العمل لأجل اليقين، سواء كان يعتقد أصحابه أنه نزل من السماء، أو أنه صواب مطلق لا يحتمل أن يُصوّت عليه. وإذا كنا نقدم هذا اليقين لأجل التصويت، فذلك يعني ببساطة أنه ليس يقينا، أو أننا لا نحترم القوانين والعقد الاجتماعي المنظم للحياة السياسية. وبالطبع، فإن انتهاك العقلانية والأنسنة والعقد الاجتماعي الناشئ عنهما، هو أيضا مشكلة النخب السياسية المهيمنة، والروابط العشائرية لأهداف انتخابية، وليس فقط مشكلة الإخوان!.. وتلك قصة أخرى!
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
الغد